زواج المغتصبة من المعتدي عليها لا يؤسس لأسرة سوية

  • 6/6/2022
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

أعادت واقعة التصالح بين أسرتي شاب وفتاة تعرضت للاغتصاب على يديه وإبرام عقد زواج عرفي مقابل التنازل عن مقاضاته الحديث عن الثغرات التي لا تزال موجودة في القوانين المصرية ويستفيد منها المتهم بالاعتداء الجنسي على الفتاة مقابل أن يتصالح الطرفان ويخرج من القضية وهو متزوج من الضحية، بدلا من حبسه. وتحولت القضية إلى قضية رأي عام في مصر؛ فبالرغم من أن النيابة العامة أثبتت تهمة الاغتصاب على الشاب واعتدائه جنسيا على الفتاة باعترافه الشخصي وشهادة الشهود على الواقعة، اتفقت الأسرتان على التنازل عن القضية بشكل عرفي، في حين اشترط القاضي أن يتم منح الفتاة حقوقها المادية بقيمة 900 ألف جنيه (حوالي 55 ألف دولار)، وإلا ستتم محاكمة الشاب جنائيا. ومنح القاضي الشاب وأسرته مهلة حتى 18 يونيو المقبل لتنفيذ ما حكم به بشكل مبدئي كحقوق مادية من مهر ونفقة للفتاة أولا، قبل أن يُعاد النظر في القضية مرة ثانية للوقوف على مدى الالتزام بهذا الشرط، على أن يتم التوافق بين الطرفين بالتصالح. وأقرت الضحية بقبولها في وجود والديها، غير أن القاضي تدخل بشروط لحفظ حقوقها كاملة. الأعراف العائلية لا تزال أقوى من سلطة القانون والدستور وتقف حائلا أمام تحقيق العدالة والانتقام لضحية الاغتصاب ويعني مسار القضية أن المحكمة إذا رأت أن الشاب ملتزم بمنح الفتاة ضحية الاغتصاب حقوقها المادية فإن ذلك يعفيه من المحاكمة الجنائية بالسجن المشدد ويقود إلى موافقة المحكمة نفسها على مبدأ التصالح استجابة لرغبة الجاني والمجني عليها وأسرتيهما، في ظل أن الضحية تنازلت عن مقاضاة مغتصبها وطلبت إسقاط حقها في القضية. ويتعارض التصالح بين أسرة ضحية الاغتصاب والمغتصب وعائلته مع نص المادة 80 من الدستور المصري التي تقر بالتزام الدولة بحماية الطفل دون سن الثامنة عشرة عاما من جميع أشكال العنف والإساءة وسوء المعاملة والاستغلال الجنسي والتجاري، فيما يبدو أن المحكمة استجابت لرغبة الطرفين بحكم أنهما قبلا التصالح والتنازل. وأحدثت القضية جدلا أسريا وحقوقيا واسعين لكونها عكست أن الأعراف العائلية لا تزال أقوى من سلطة القانون والدستور وتقف حائلا أمام تحقيق العدالة والانتقام لضحية الاغتصاب التي تكون غالبا مجبرة على القبول بالتصالح تحت ضغوط أسرية لا تستطيع الوقوف أمامها أو الهرب منها لتطلب من القضاء القصاص من مغتصبها. وقررت الحكومة المصرية عام 1990 تعديل قانون الإجراءات الجنائية وألغت النص الخاص بإعفاء المتهم من عقوبة الاغتصاب ولو تزوج من المغتصبة، وهو الإلغاء الذي مثّل وقتها إنجازا غير مسبوق لتحقيق العدالة والوقوف بصرامة ضد تبرئة المغتصبين لمجرد الزواج من الضحايا. وانتهجت عدة دول عربية النهج نفسه بعد مصر، أبرزها المغرب ولبنان والأردن وتونس. ☚ التراضي في حالات الاغتصاب خطيئة أسرية لا تُغتفر ☚ التراضي في حالات الاغتصاب خطيئة أسرية لا تُغتفر وتعارض المنظمات الحقوقية المعنية بالقضايا النسائية مبدأ تزويج ضحية الاغتصاب من مغتصبها مهما كانت الحقوق والمغريات التي تحصل عليها، سواء حدث ذلك بالعرف الأسري أو الأحكام القضائية التي تصدر بعد التصالح بين الطرفين، لأنه يكرس وقائع الاغتصاب ويمنحها غطاء شرعيا ويجعل كل من يفكر في الاغتصاب يفعل فعلته ويطلب الزواج. وأصبح من يعرف بـ”الذئب البشري” الذي يفكر في الإقدام على خطوة انتهاك براءة أنثى يُدرك جيدا أنه أمام ثلاثة احتمالات، الأول أنه قد يفلت من العقوبة الجنائية أو ورطة الزواج إذا التزمت الضحية وأسرتها الصمت، وهذه الفئة موجودة بكثرة، أمام رهبة المجتمع والخوف من الفضيحة والعار الذي تدّعي أسرة الفتاة أنه سيطاردها طوال حياتها، لذلك تصمت إلى الأبد. والاحتمال الثاني أن تكون هناك مصالحة عرفية بين أسرتي الجاني والضحية تنتهي بعقد زواج يتفق عليه جميع الأطراف ويقتنع به القاضي ولا يصدر حكما طالما تنازلت عائلة المجني عليها عن مقاضاة المتهم، وهنا يفلت من العقوبة مستفيدا من ثقافة الأعراف التي يقدسها المجتمع ويفضلها على اللجوء إلى القضاء في الكثير من الجرائم. والاحتمال الثالث، وهو الأضعف في ظل هيمنة ثقافة الصمت والعادات والتقاليد على عقليات الكثير من الأسر، أن تتم محاكمة المتهم بالاغتصاب بنصوص القانون، لكن ذلك يتطلب شجاعة من الفتاة في مواجهة المجتمع، ودعما غير محدود من أسرتها، وجرأة في مواجهة التهديدات التي قد تتعرض لها وعائلتها على يد المتهم وأسرته. الزواج يظل حلا مؤقتا للشاب الذي قد يتنصل من الفتاة في أقرب فرصة، وإذا عاش معها يعاملها بطريقة وحشية لإجبارها على الطلاق ويرى متخصصون في العلاقات الأسرية أن معالجة المشكلة بتزويج المغتصبة من المعتدي عليها تقود إلى إباحة جريمة الاغتصاب، وقد يشجع ذلك المزيد من الذئاب البشرية على ارتكاب نفس الأفعال بحق النساء، وبدلا من محاكمتهم جنائيا ليكونوا عبرة لغيرهم تتم مكافأتهم على الخطف والاغتصاب بالزواج من الضحية. وأكدت عبير سليمان الباحثة والناشطة في قضايا المرأة أن التراضي في حالات الاغتصاب خطيئة أسرية لا تُغتفر؛ لأن الانشغال بالمفاهيم المجتمعية الخاصة بالعار والشرف دون الاكتراث بمستقبل الضحية وصحتها النفسية والبدنية وفقدانها الأمان النفسي إلى الأبد، يعني الحكم عليها بالسجن طيلة حياتها بمعاقبتها بالزواج من مغتصبها. وأضافت لـ“العرب” أن “ضحية الاغتصاب يصعب، بل يستحيل أن توافق على الزواج من الذئب البشري الذي انتهك جسدها، إلا تحت ضغوط لا تقدر على مواجهتها، أي أن زواجها تم بالإكراه، وهذا اعتداء جسدي جديد بغطاء شرعي، ويتعارض مع المبادئ الإنسانية والقوانين؛ فالزواج من المغتصب اغتصاب مزدوج للضحية”. وتغفل الكثير من الأسر التي تتهاون في هذه المسألة ولا تتعامل بحزم مع المجرم المغتصب أنه مهما حاول إصلاح خطيئته بالزواج من الضحية تحت مزاعم التصالح وتقبل الأعراف فإن ذلك لا يمكن أن يؤسس أسرة سوية متماسكة، ويظل الزواج حلا مؤقتا للشاب الذي قد يتنصل من الفتاة في أقرب فرصة، وإذا عاش معها يعاملها بطريقة وحشية لإجبارها على الطلاق. وقالت عبير سليمان لـ”العرب” إن “استمرار الحلول السلمية في وقائع الاغتصاب يتطلب تحركا من كل الجهات لغلق أبواب التصالح في مثل هذه الجرائم، لأن الزواج فيها يقوم على الإكراه، وفي بيئات قبلية بمصر لا تملك الفتاة جرأة التمرد على الأسرة، وقد تتعرض للتهديد بأنها لن تتزوج ثانية، مع أن ذلك ربما يكون أفضل لها من الزواج من مغتصبها”.

مشاركة :