اللهم لا شماتة..هكذا عقب البعض - بحق- على أحداث الأربعاء الأسود في باريس أول أمس، وبينما كان بعض الفرنسيين – ومعهم الحق أيضا – يدافع عن حرية الصحفيين والرسامين بصحيفة شارلي ابدو الاسبوعية الساخرة في التعبير عن آرائهم، كان رئيس الوزراء الفرنسي يطالب وسائل الاعلام الفرنسية عقب الحادث بعدم نشر او تداول معلومات قد تفيد الارهابيين أو تؤثر بالسلب على قدرة أجهزة الشرطة الفرنسية في تعقب الارهابيين. مانويل فالس رئيس وزراء فرنسا يطالب صحافة بلاده بإيقاظ الرقيب الذاتي داخلها، فيما تدافع حكومته عما تعتبره حرية تعبير عن الرأي ضاق بها أو لم يستوعبها اسلاميون متطرفون. فالس يطالب بقيد أخلاقي على حرية تداول المعلومات، لا يساورني ادنى شك في انه سيتبعه بقيود رقابية حكومية على تداول ما سيصفه بأنه معلومات أمنية محظور تداولها للمصلحة العامة. باريس قلب فكرة الحرية، وضميرها الأب، يجبرها الارهاب على تقييد - ما- للحريات، قبلها فعلتها لندن عقب هجمات صيف 2005 بمحطة رئيسية لمترو الأنفاق، وفعلتها بعدها شرطة اسكوتلاند يارد قبل عامين لدى قمعها اعتصاماً استلهم نموذج ميدان التحرير بالقاهرة، ودافع ديفيد كاميرون وقتها عن فض الاعتصام بالقوة معتبراً انه كان دفاعاً عن أمن بريطانيا!! اللهم لا شماتة.. الذين انتقدوا فض اعتصامات "مسلحة" وقمع تظاهرات "ملغومة" في بلادنا، والذين قدموا الدعم الاخلاقي والسياسي لجماعات عنف مسلح تستهدف صميم وجود دول عربية كبرى، هم من يطالبون الآن وسائل الاعلام في بلادهم بالرقابة الذاتية، وبحجب المعلومات لدواعٍ "وطنية"، والذين مازالوا يمنحون الملاذات الآمنة للجماعة الأم التي أفرخت كل تلك الجماعات المسلحة التي تمارس القتل والترويع باسم الاسلام، هم أنفسهم من يتعرضون الآن لارهاب جماعات أفرختها تلك الجماعة الأم التي يوفرون لقياداتها الملاذ والدعم وحرية ممارسة نشاطات معادية لأوطاننا بدعوى أنها جماعة سياسية معارضة. الذين طالبوا اجهزتنا الأمنية بضبط النفس في مواجهة الارهاب، هم انفسهم من يطلقون العقال الان لأجهزتهم الأمنية لملاحقة ارهاب تدثر برداء الاسلام، والاسلام بريء منه. أعرف أن المقارنة بين حال الحريات والأمن في بعض دول منطقتنا، وبين الحريات والأمن في أوروبا وامريكا وأستراليا وكندا، قد تكون ظالمة، وربما يراها البعض لا وجه لها، لأننا ما نزال - بحق- بعيدين جدا، ثقافيا، ومجتمعيا، وسياسيا، عن المعايير الاوروبية - والفرنسية بالذات- لكن هذا التباين الثقافي ذاته، لا يمكنه أن ينفي أو يخفي "وحدة الظرف"، فـ "نحن" واوروبا، نواجه ذات الارهاب، ونكتوي بناره، بل اننا دون أوروبا قد اصبحت بعض دول منطقتنا ساحة مستباحة لصراعات مسلحة ترفع رايات الاسلام وهى أبعد ما تكون عنه. وحدة الظرف بين ضحايا ذات الارهاب في الشرق الاوسط وأوروبا وأمريكا، تستدعي وحدة الموقف، ووحدة المواجهة، وهو ما لا يمكن أن يتم فيما تواصل بعض دول الغرب، الاصرار على التعامل مع منظمات وجماعات لا مع دول وحكومات، فلا بديل عن تعاون صادق بين دول شمال المتوسط ( الأوروبية) وبين دول جنوب المتوسط في منطقتنا، للجم الإرهاب واقتلاعه. أولى خطوات هذا التعاون تبدأ بالاتفاق على تعريف دقيق للعدو، وتحديد صارم لهويته، فلا يجوز أن تتحدث دول عربية بالشرق الاوسط عن جماعة الاخوان المسلمين باعتبارها جماعة إرهابية، خرجت من رحمها أغلب تلك الجماعات الارهابية المنتشرة في دول الشرق الاوسط وجنوب اسيا وغرب أفريقيا، بينما لا يرى الغرب ارهابا سوى لدى منظمات فلسطينية، دفعها الخذلان الدولي - احيانا- الى ساحات النضال المسلح. ثانية خطوات التعاون تكون باتجاه الاسرة الدولية عبر مجلس الأمن الدولي، الى عزل تلك المنظمات والجماعات، واتخاذ اجراءات رادعة بحق من يوفرون لها المأوى والملاذ، مع ملاحظة ان بعض دول اوروبا وفرت الملاذات الآمنة لبعض تلك الجماعات، باعتبارها جماعات "مضطهدة" في أوطانها. ثالث خطوات التعاون في الحرب على الارهاب، تكون برفع كل حظر على السلاح أو التدريب عن دول تنخرط في الحرب على الارهاب سواء فوق ترابها الوطني أو في اطار جهد اقليمي ودولي بالمنطقة، كما هو حادث في سوريا والعراق. بدون مثل هذه الاجراءات وغيرها كثير، لن يتسنى لدول كبرى في اوروبا، ولا للولايات المتحدة، التصدي بحق لجماعات الارهاب المتمسحة في الاسلام، والاسلام منها براء، وبدونها أيضا لن يمكن حسم المعركة ضد الارهاب في أقصر وقت. على الغرب أن يكف عن محاولة ترويض دول الاقليم باستخدام جماعات الارهاب، وعلى دول الاقليم ان تسارع بذاتها الى اقتلاع "الجذور الفكرية" للارهاب على أرضها، وان تعيد النظر في مناهج التعليم، دون أدنى تردد، وبدون "طبطبة" على فئة بعينها، يسعى بعض رموزها بحسن نية، وبعضها الآخر عن جهل او عن عمد ، الى تكريس ظروف تهيأت على مدى قرون لانتاج دواعش في كل مكان.. لا نريد حفلات زار لطرد الأرواح الداعشية من منطقتنا ، لكننا نريد اللحاق بالعصر والامساك بتلابيب المستقبل، فهو أقصر الطرق لصرف عفاريت داعش وما شابهها من جماعات الإرهاب. moneammostafa@gmail.com
مشاركة :