هل تُفْضي الدينامية الجديدة التي أُطلقت في بيروت في الساعات الماضية إلى الإفراج عن الحكومة اللبنانية قبل الذكرى 75 للاستقلال في 22 الجاري، أم أنّ الحكومة «طارت» إلى أَجَلٍ غير مسمى؟سؤالٌ شَغَلَ بيروت أمس مع تَبَلْور ملامح تحرُّك بدأه رئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل بتفويض من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لإيجاد حلّ لعقدة توزير أحد النواب السنّة الموالين لـ «حزب الله» الذي كان فرْمل مسار تشكيل الحكومة قبيل ولادتها عبر إصراره على تمثيل هؤلاء «أو لا حكومة».وجاءتْ كلمة الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله عصر أمس لتؤكد أن هذه العقدة ما زالت تراوح في دائرة تَأزُمِ الحدّ الأقصى وأن أي مَخْرج لها سيمرّ بـ «حرب سقوف» قاسية ومناوراتٍ من «بالونات» اختبار ومبادراتٍ لصيغ تسْووية ما زالت الطريق إليها شائكة.وإذا كانت مواقف نصر الله لم تخرج عن المتوقَّع لجهة تأكيد دعم «حزب الله» مطلب حلفائه السنّة بوصْفه «حقّاً» كرستْه الانتخابات النيابية واعتبار أن مدخل أي مَخارج لهذه العقدة يكون بمحاورة هؤلاء وأن الحلّ في ملعب الرئيس المكلف سعد الحريري، فإن اللهجة التي استخدمها والرسائل التي أطلقها في اتجاهات عدة لم توفّر مرجعيات سياسية أو دينية وتلويحه بالعودة الى «النقطة الصفر» رفعتْ التحدّي وتم التعاطي معها على أنها أضافتْ طبقةً جديدة من التشنّج الذي من شأنه تعصيب إيجاد حلول لا تَظْهِر على أنها انكسار لأيّ طرف ولا سيما الحريري الذي يرفض في شكل قاطِع توزير أي من النواب السنّة الموالين لحزب الله. فنصر الله الذي أكّد ان توزير النواب السنّة المستقلين ليس «عقدة مفتعلة او مفاجئة» بل هو مطروح منذ اليوم الأول من بدء مسار التأليف وبجدية وليس من باب رفْع العتَب، كشف كيف ان «حزب الله» رفض تسليم الحريري أسماء وزرائه عقب حلّ العقدة المسيحية، نافياً ارتباط إصراره على تمثيل حلفائه السنّة بالرغبة في منْع رئيس الجمهورية والتيار الحر من الحصول على 11 وزيراً في الحكومة (الثلث المعطّل) «فالرئيس عون حليفنا الاستراتيجي والتكتيكي، والعلاقة معه ممتازة ولطالما اختلفنا على نقاط تفصيلية في الشأن اللبناني».وإذ شدّد على ان لا إيران ولا سورية لهما علاقة بعقدة توزير السنّة الموالين لـ «حزب الله»، توجّه بتهكّم الى الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، الذي كان اتّهم طهران بأنها «تعاقبنا» بتأخير ولادة الحكومة، قائلاً: «حين أخّرتم انتم والقوات اللبنانية الحكومة 4 و5 أشهر هل كانت إيران تعاقب؟ واذا كانت هذه قراءتك فـ ظبّط الانتينات يا وليد بك مش ظابطة معك. بدّك تروق شوي وتنتظر الى اين سيصل هذا الموضوع».وأضاف: «ليسمع الجميع سنبقى مع حلفائنا سنة وسنتين والف سنة والى قيام الساعة (...) ولسنا طرفا بالمفاوضات وحل المشكلة عند الرئيس الحريري، وبالامس التقيت الوزير باسيل وقلتُ إننا لا نطلب منه ولا من الرئيس عون شيئاً... الآن انتم تحاولون ايجاد حل، ممتاز، ولكن لسنا طرفاً بالتفاوض فالقرار عند النواب الستة وفاوِضوهم وحاوِروهم وما يقبلون به نسلّم به... ونقطة على اول السطر»، داعياً الحريري «إذا جنابك تريد حكومة فهذه الطريقة بالتحريض المذهبي والطائفي لا تغيّر موقفنا ولا التزاماتنا بل توتّر البلد... وعندما يتصل الاخوان الستة بنا ويقولون لنا «فيكم تعطوا الأسماء» نعطيها للرئيس المكلف ونقطة على اول السطر».وجاء كلام نصر الله غداة لقائه باسيل الذي كان أعلن «بدأنا العمل لإيجاد حلّ للعقدة السنية - الشيعية والحلّ يبدأ بالعودة الى المعايير والى مبدأ عدم احتكار الطوائف والمذاهب والأخذ بالاعتبار الكتل الفعلية وطريقة تمثيلها.. ولو أننا غير معنيين بحل العقدة السنية - الشيعية لكننا معنيون بالمساهمة في الحل».وتوقفت أوساط سياسية عند موقف باسيل الذي بدا من خلاله (في الشقّ الذي ربط فيه التمثيل في الحكومة بكتلٍ) وكأنه يحاول ان يوازِن بين عدم الانسحاب من دعم الحريري في رفْضه القاطع تمثيل اي من النواب الستة، وهو ما كان عبّر عنه بوضوح الرئيس عون حين اعتبر ان هؤلاء أفراد وتنتمي غالبيتهم الى كتل ممثَّلة في الحكومة، وبين الاقتراب من «حزب الله» في محاولة لتدوير الزوايا.وفي رأي هذه الأوساط ان النبرة العالية جداً لنصر الله عكستْ صعوبة تَصوُّر إمكان إيجاد حل وسط قريباً في ظل ارتفاع منسوب التحدي المتبادل مع الحريري الذي كان نقل عنه تلفزيون «المستقبل» في مقدمة نشرته الإخبارية مساء الجمعة انه «لن يتراجع عن موقفه المعلن ولن يسلّم تحت اي ظرف بوجود أي وديعة للمخابرات السورية على طاولة مجلس الوزراء». وذكر تلفزيون «المستقبل» أنه: «سواء طالب النواب الستة بتوزير احدهم في الحكومة العتيدة أو راهنوا على المطالبة بتوزير مَن يمثلهم من غير النواب فان تحركهم وزياراتهم المكوكية لها هدف واحد هو تنفيذ أمر عمليات بخرق التمثيل الوزاري للرئيس المكلف وادخال وديعة من الودائع السورية أو الايرانية الى طاولة مجلس الوزراء».
مشاركة :