... في بيروت عيْنٌ على قانون انتخاب لبرلمان الـ 2017 وعيْنٌ على الانتخابات الرئاسية في الـ 2022. بهذا المعيار تدور المعركة الشرسة على دوائر قانون الانتخاب ونظام الاقتراع فيه بين القوى السياسية النافذة في البلاد. فـ «القطبة المخفية» في التدافُع الخشن، الذي يأخذ عناوين سياسية وطائفية تتصل بالسعي الى «ترويض» التوازنات في البرلمان العتيد على النحو الذي من شأنه التأثير في الخيارات الرئاسية بعد أقل من 6 سنوات من الآن. تحت هذا السقف من الحسابات ذات الطبيعة «الاستراتيجية» المرتبطة بالرئاسة المقبلة والتوازنات في السلطة، يجري تظهير وطأة الصراع على قانون الانتخاب من خلال وصْف ما يجري بـ «عضّ أصابع» و«ليّ أذرع» و«مَن يصرخ أولاً» و«حافة الهاوية»... وما شابَهَ من «أسماء حرَكية» للّحظة الحرجة التي يجتازها لبنان تحت وطأة مهل زمنية ضاغطة ومخاوف من الانزلاق نحو فوضى سياسية - دستورية. وما يعكس «الضراوة المكتومة» في هذا الصراع هو «القتال» السياسي الدائر بالصيغ الانتخابية الرائجة... الأكثرية المطلقة، النسبية الكاملة، «المختلط» بين الاكثري والنسبي، وسط مراوحةٍ ثقيلة فوق صفيح ساخن سياسي - طائفي من التشنّجات التي تعكس حماوتها المواقف العلنية وتشتدّ في الغرف المقفلة. ولانه في الـ 21 من الجاري يحلّ الموعد لدعوة الهيئات الناخبة لاختيار أعضاء برلمان يخلف الحالي الذي تنتهي ولايته في 20 يونيو المقبل، فان السباق أصبح محموماً بين الحاجة الى إنجاز قانون انتخاب جديد لضمان اجراء الانتخابات في مداها الزمني المعقول، وبين الانزلاق الى الفراغ في السلطة التشريعية في ضوء استحالتين: اجراء الانتخابات وفق القانون الحالي او التمديد للبرلمان. والترجمة السياسية للصيغ الانتخابية المتقابِلة تنطوي، وتبعاً للقوى الرئيسية، على المغازي الآتية: «حزب الله» يريد قانون انتخاب يقوم على النسبية الكاملة لان من خلاله يُبقي على ما له له وحده وما لسواه له ولهم، اي انه يستطيع مع حليفه في «الثنائية الشيعية» رئيس البرلمان نبيه بري حصد غالبية المقاعد الشيعية وضمان فوز لشخصيات حليفة له في البيئات السنية والمسيحية والدرزية، وهو يصبح تالياً قادراً على التحكم بالتوازنات في السلطة وفي استحقاقاتها. الثنائي المسيحي المتمثل بالتحالف القائم بين «التيار الوطني الحر» (حزب الرئيس ميشال عون) و«القوات اللبنانية» يريد قانوناً مختلطاً (اكثري ونسبي) او اي صيغة اخرى تضمن له الفوز بغالبية المقاعد المسيحية او أقله بأكثر من 43 مقعداً، الامر الذي يضمن له الإمساك بالثلث المعطّل في البرلمان، بما يتيح له فرض خياراته. «تيار المستقبل» بزعامة الرئيس سعد الحريري يريد هو الآخر قانوناً مختلطاً بمعايير تضمن له حفظ كتلته الوازنة ذات الغالبية السنية وعدم خسارة نوابه من الطوائف الاخرى، مما يمكّنه من حماية زعامته والبقاء رقماً صعباً في التوازنات السياسية. الزعيم الدرزي وليد جنبلاط الذي أعلنها حرباً استباقية ضد النسبية الكاملة او نظام الاقتراع المختلط، أعلن مراراً وتكراراً تمسكه المطلق بالنظام الأكثري على قاعدة القانون المعمول به حالياً ولو معدَّلاً، ما يمكنه من الاستمرار في الإمساك بـ «الحصة الدرزية» من جهة ومن الاستمرار في ضمّ نواب من طوائف أخرى الى كتلته. وفي غمرة هذه الحسابات المتشابكة، وتحت وطأة التسليم باستحالة بلوغ صيغة توافقية لقانون الانتخاب بحلول 21 الجاري، برزت إشارات عدة سعت الى التقليل من وطأة تَجاوُز مهلة دعوة الهيئات الناخبة وفق القانون النافذ حالياً والمعروف بـ «الستين» (على اساس ان الانتخابات موعدها في 21 مايو)، باعتبار ان إقرار اي قانون جديد قبل انتهاء ولاية البرلمان سيحمل في ذاته حلاً لمسألة المهل اذ سيتضمّن في متنه تمديداً تقنياً لمجلس النواب لأشهر قليلة لزوم التحضير اللوجستي لمواكبة «النقلة» المرتقبة نحو النسبية، جزئية كانت او كاملةً. على ان الطريق امام ولادة هذا القانون ما زال محكوماً بمعلومات متناقضة حول مسار الاتصالات في شأنه، وسط تسريبات عن مرونة من «المستقبل» في البحث عن صيغة تقوم على النسبية الكاملة وفق تقسيماتٍ (تتجاوز الـ 13 دائرة التي كان أقرها مشروع حكومة الرئيس نجيب ميقاتي) تضمن له عدم «تشتُّت» قوته الانتخابية، مقابل إشارات أخرى الى ان الرئيس الحريري ما زال على رفْضه النسبية الكاملة في ظل وجود سلاح «حزب الله» وان مبدأ المختلط لم يسقط بعد رغم إبلاغ الحزب عدم السير بأي قانون لا يقوم على النسبية المطلقة. علماً ان النائب عقاب صقر (من كتلة الحريري) اكد ان «هناك رؤية لقانون الانتخاب تحفظ حقوق الجميع وتُراعي المطالبين بالنسبية والأكثرية لكن لن نعلن عنها كي لا تحترق». وتشير بعض الدوائر السياسية الى ان الحريري لا بد ان يراعي في الطريق الى استيلاد قانون الانتخاب وقائع في شارعه ولا سيما في ظلّ إطلاق خصوم له «معارك مبكّرة» في محاولة لإحراجه شعبياً ولو عبر تسريبات مغلوطة مثل الكلام عن انه تخلى عن بعض صلاحياته كرئيس للوزراء (استناداً لقرار الذي وقّعه بتاريخ 4 يناير 2017) عبر تفويض بعض المهمات الإدارية إلى المدير العام لرئاسة الجمهورية انطوان شقير، وهو ما استدعى رداً قاسياً من الناطق باسم مكتب الرئيس الحريري المستشار الإعلامي هاني حمود على هذه «الفبركات والكذبة التي ابتدعوها»، مؤكداً أن هذه المهمات «إدارية وليست دستورية، وانه سبق ان وقّع كل رؤساء الحكومات السابقين من دون استثناء مثل هذا القرار وغايته تسهيل العمل ضمن المديرية العامة لرئاسة الجمهورية». ويُنتظر ان يتطرّق الحريري في الكلمة التي يلقيها في الذكرى 12 لاغتيال والده الرئيس رفيق الحريري التي يحييها تيار «المستقبل» يوم الثلاثاء في «البيال» تحت شعار «12 مرة 14 شباط... المستقبل حلمك» الى مجمل العناوين السياسية الداخلية وبينها قانون الانتخاب الذي سيكون اليوم محور كلمة منتظرة للامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله الذي يطلّ ايضاً الخميس المقبل في مناسبة حزبية أخرى.
مشاركة :