الشائعات والأخبار الكاذبة والأمن القومي -٢

  • 11/12/2018
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

خطرٌ داهم يهدد أمن الدول والسلام الاجتماعي خطرٌ داهم يهدد أمن الدول والسلام الاجتماعي أشنع كذبةٍ في التاريخ أطلقتْ مخطط تدمير العراق والأمة العربية الشائعات والأخبار الكاذبة خطرٌ داهم يهدد الأمن القومي للدول، والسلام الاجتماعي للمجتمعات والشعوب. هذا أكبر وأخطر الجوانب المرتبطة بالظاهرة. ولهذا لسبب تحديدا، ظهرت في السنوات القليلة الماضية عشرات التقارير والدراسات التي تناقش هذه القضية تحديدا.. قضية كيف تؤثر الشائعات والأخبار الكاذبة على الأمن القومي والسلام الاجتماعي. ولهذا أيضا، شكَّلت كثيرٌ من دول العالم لجانا على أعلى مستوى لبحث أبعاد وحدود هذه القضية، واقتراح كيفية مواجهتها. والدول العربية في مقدمة دول العالم على الإطلاق التي دفعت ثمنا فادحا من أمنها واستقرارها وسلامها الاجتماعي من جراء الشائعات والأخبار والتقارير الكاذبة. في هذا المقال، سوف نعرض لبعض من أهم التقارير العالمية التي ناقشت القضية، وما خلصت إليه. وسوف نركز خصوصا على خبرة الدول العربية، وكيف تعرض الأمن القومي العربي للدمار بسبب الشائعات وحملات التزوير والتضليل التي تعرض لها. ‭{{{‬ تأثيرٌ مدمر من أهم التقارير التي صدرت على الإطلاق وناقشت التأثير المدمر للشائعات والأخبار الكاذبة على الأمن القومي من كل الجوانب، تقريرٌ صدر في مطلع العام الحالي بعنوان: «الأخبار الكاذبة: الأمن القومي في عصر ما بعد الحقيقة». التقرير أعده ستة من كبار الباحثين المختصين هم، نورمان فاسو، وبنجامين آنج، وتيري آن تيو، وشاشي جاياكومار، ومحمد فيزل، وجوشي اهوجا. والتقرير صدر عن مركزين بحثيين في جامعة نانيانج للتكنولوجيا في سنغافورة، هما مركز الأمن القومي، ومركز راجاراتنام للدراسات الدولية. التقرير حين يناقش القضية، يتوقف في البداية عند الكيفية التي تؤثر بها الشائعات والأخبار الكاذبة على الأمن القومي للدول. ويرصد هنا صورا مختلفة لهذا التأثير من زوايا شتى أهمها على النحو التالي: 1 - شائعات وأخبار كاذبة يتم استخدامها كأداة لحملات تضليلٍ كبرى مدروسة ومخططة ومنظمة بهدف تقويض أمن واستقرار الدول عن طريق تخريب المجتمعات وضرب تماسكها الاجتماعي، وتخريب العملية الديمقراطية. ويعتبر التقرير أن هذا النوع من الشائعات والأخبار الكاذبة هو الأخطر على الإطلاق من حيث تأثيره عل الأمن القومي للدول وعلى التماسك الاجتماعي. 2 – إشاعات وأخبار كاذبة يتم نشرها لتحقيق أجندة سياسية محلية لقوى وجماعات معينة، ولأهدافٍ وأسباب أيديولوجية، من مصلحتها تحدي القانون وإثارة أشكال من الفوضى والنيل من نظم الحكم. وهذا النوع من الشائعات والأخبار الكاذبة يسعى عادة إلى تحقيق عدة أهداف، منها بصفة خاصة، تشكيل الرأي العام في اتجاه معين يخدم الأجندة السياسية، والتأثير على نظام الحكم والعملية السياسية في البلاد. 3 – إشاعات وأخبار كاذبة غير سياسية بشكل مباشر، قد تهدف إلى تحقيق منفعة مالية أو سياسية خصوصا في أوقات الأزمات، مثل وقوع كارثة معينة أو هجومٍ إرهابي.. وهكذا. 4 – شائعات وأخبار كاذبة لأغراض السخرية و«الترفيه»، ولكن يمكن أن يكون لها تأثيراتٌ سياسية في اتجاه معين، وتخدم أفكارا أو أجندة سياسية بما من شأنه التأثير سلبيا في الدولة والمجتمع. 5 – إشاعات وأخبار كاذبة يكون هدفها الأساسي هو تحقيق ربح مالي، لكنها أيضا قد تترك تأثيرا سلبيا على التماسك الاجتماعي وعلى الدولة بشكل عام. على هذا النحو إذن، حدد التقرير الأنواع المختلفة من الشائعات والأخبار الكاذبة من زوايا تأثيرها على الأمن القومي للدول. ‭{{{‬ تضليل الرأي العام دراسة مهمة أخرى بعنوان: «الأخبار الكاذبة والأمن القومي» كتبتها الباحثة إيلاري ليزي. تقول الباحثة بداية إنه مع التقدم الرهيب في تكنولوجيا المعلومات، والإنترنت وأدوات التواصل وما أتاحه ذلك من انتشار الأخبار وإمكانية وسرعة مشاركتها، كان من المفروض أن يقود هذا إلى تعزيز الديمقرطية وحريات الرأي والتعبير. لكن المشكلة هنا أن الرأي العام قد لا يتمكن ولا يمتلك القدرة على التمييز بين الأخبار الحقيقية الصادقة والأخبار والمعلومات الكاذبة. وتذكر الباحثة أنه في عصر «ما بعد الحقيقة» حيث يتم قبول الأخبار وفهمها كأخبار حقيقية صادقة بناء على معايير المشاعر والأحاسيس ومن دون أي تحليل دقيق لها، فإن القناعات الشخصية أصبحت أكثر تأثيرا في تشكيل الرأي العام أكثر من الحقائق الموضوعية. ولهذا، يشهد عالم ما بعد الحقيقة صعودا رهيبا للشعبوية والغوغائية، بما يترتب على ذلك من تأثيرات تقود إلى تقويض الاستقرار وتهديد الأمن القومي. في هذا العالم أصبحت مساحة المعلومات لها أهمية رهيبة في السياسة الدولية توازي نفس الأهمية التي كانت تحتلها الأرض قبل سنوات. وتذكر أن الأخبار الكاذبة تؤثر على السياسة بطرق عديدة. والمشكلة الأكبر هنا أن نشر الشائعات والأخبار الكاذبة والترويج لها غالبا ما يتم عبر حملات منظمة مدروسة يكون الهدف منها: 1 – تشكيل الرأي العام الوطني 2 – تقويض التماسك الاجتماعي 3 – التأثير في السياسات المتبعة 4 – وغالبا ما يكون الغرض من هذه الحملات السعي إلى تحقيق أهداف شائنة خبيثة، يمكن أن تقود إلى عدم الاستقرار وتقوض الأمن القومي. ‭{{{‬ كل هذا التخريب تقريرٌ مهم آخر مطول ناقش قضية الشائعات وتأثيرها على الأمن القومي، وركز تحديدا على تأثير تقنية الـ«ديب فيك نيوز DEEP fake news» التي تحدثتُ عنها في المقال السابق، والتي تتيح إمكانية فبركة صور وصناعة فيديوهات تبدو حقيقية تماما ويصعب جدا اكتشاف أنها مفبركة. التقرير يحمل عنوان: «ديب فيك: تهديد داهم للخصوصية والديمقراطية والأمن القومي»، وكتبه باحثان هما، بوبي تشيسني، أستاذ القانون في جامعة تكساس، ودانييل سيترون، أستاذ القانون في جامعة ميريلاند. التقرير يناقش بالتفصيل التأثيرات المدمرة لهذه التقنية الجديدة، وللأخبار الكاذبة المزورة عموما على الأمن القومي، ويقدم أمثلة كثيرة لهذا التأثير منها ما يلي: * الفيديوهات المفبركة باستخدام تقنية الديب فيك، من الممكن أن تظهر مسؤولين وشخصيات عامة وهم يتلقون رشاوى، أو يتفوهون بعبارات عنصرية، أو في مشاهد إباحية، مع أن أيًّا من هذا لم يحدث. * الساسة ومسؤولي الحكومة من الممكن إظهارهم في مواقع وأماكن لم يوجدوا فيها أبدا، ويفعلون أو يقولون أشياء رهيبة لم يفعلوها أو يقولوها. * من الممكن للفيديوهات المفبركة أن تجعل الساسة والمسؤولين والشخصيات العامة يظهرون وهم يعقدون لقاءات ، لم تحدث أبدا، مع جواسيس أو مجرمين ـ الأمر الذي يمكن أن يفجِّر غضبا عاما وحتى يقود إلى تحقيقات جنائية بحقهم. * من الممكن بهذه الفيديوهات المفبركة إظهار جنود وهو يقتلون مدنيين أبرياء في ساحة المعارك، بما يترتب على ذلك بداهة نتائج رهيبة. * ومن الممكن مثلا أن تظهر هذه الفيديوهات زورا رجل شرطة أبيض يطلق الرصاص على رجلٍ أسود غير مسلح، وهو يصرخ بعبارات عنصرية. * ومن الممكن أن يزور فيديو مفبرك مشاهدَ لسلوك إجرامي يرتكبه أحد المرشحين عشية إجراء الانتخابات الأمر الذي يدمر فرصته في الفوز تماما بناء على ذلك. * ومن الممكن مثلا أن يظهر فيديو مزور، أو تسجيلٌ صوتي مفبرك، مسؤولين وهم يخططون للتآمر على دولة أخرى بأي شكل، الأمر الذي يمكن أن يدمر علاقات البلدين وقد يقود إلى قطع العلاقات الدبلوماسية. كما نرى، على ضوء ما يعرضه التقرير على هذا النحو، فإن استخدام هذه التقنية في الفبركة والتزوير، ونشر الإشاعات والأخبار الكاذبة عموما، يمكن أن يدمر حياة أشخاص ومكانتهم ودورهم. ويمكن أن يشعل فتنة وأعمال عنف وفوضى تقوض الأمن والاستقرار، أو تشعل صراعا طائفيا. ويمكن أن يخرب انتخابات عامة ويدمر العملية الديمقراطية. ويمكن أن يدمر علاقات دول. وفي الإجمال، فإن التأثير خطير جدا ومدمر للأمن القومي وسلامة المجتمعات. هذه التقارير التي عرضتُ لأهم ما فيها ليست إلا نماذج محدودة جدا لسيل من التقارير والدراسات التي ناقشت القضية. ‭{{{‬ خبرتُنا العربية الدول العربية هي أكثر دول العالم التي عانت من النتائج والتبعات المدمرة للشائعات والأخبار الكاذبة. الأمن القومي للدول العربية تعرض لدمار هائل بسبب ذلك. نعلم جميعا ما شهده الوطن العربي من تطورات وأحداث جسام وخصوصا منذ غزو واحتلال العراق، ثم ما شهدته دول عربية عدة من فوضى وأعمال عنف وإرهاب ترافقت مع ما سُمِّي بـ«الربيع العربي». في كل ما شهدته الدول العربية على هذا النحو، كانت الشائعات والأخبار الكاذبة أداة كبرى للخراب والتدمير. ونستطيع أن نلخص الدور التخريبي المدمر الذي لعبته الشائعات والأخبار الكاذبة على الأمن القومي للدول العربية في الجوانب التالية: 1- تم استخدام سلاح الشائعات والأخبار والتقارير الكاذبة كأداة رئيسية من أدوات تمرير مخططات استهداف الدول العربية، والنيل من سيادتها وأمنا واستقراها وسلامها الاجتماعي. 2 – وتم استخدام هذا السلاح أداة لتشكيل الرأي العام في اتجاهات محددة تلحق الأذى بالدول العربية. وتحديدا، تم استخدام هذا السلاح لتحريض الشعوب العربية على نظم الحكم، والتشجيع على الخروج على القانون واستهداف الدولة ومؤسساتها وارتكاب أعمال عنفٍ وتخريب. 3 – اُستخدمت الشائعات والأخبار الكاذبة أداة أيضا للتحريض على التدخلات الأجنبية في الشؤون الداخلية للدول العربية، ولتقديم مبررات وذرائع زائفة لهذه التدخلات لتنفيذ أجندات تخريبية. 4 – من أخطر أشكال استخدام هذه الأداة في الدول العربية استخدامها من أجل تأجيج الطائفية وإشعال الفتن الطائفية والمذهبية. ارتبط بهذا استخدام الشائعات والأخبار الكاذبة أداة لتدمير الولاءات الوطنية، ولتقديم مبررات لإقدام جماعات وقوى في دول عربية على الارتباط بدول أجنبية، مثل إيران، والتضحية بالولاء لأوطانهم في سبيل المصلحة الإيرانية، والتآمر على أوطانهم. 5 – أيضا، كانت الشائعات والأخبار الكاذبة أحد أكبر الأدوات الي تم استخدامها لممارسة العنف والإرهاب الذي شهدته ومازالت تشهده عديدٌ من الدول العربية. هذا بأشد ما يكون الاختصار بعض الجوانب المدمرة لاستخدام الشائعات والأخبار والتقارير الكاذبة لتقويض أمن واستقرار الدول العربية وسلامها الاجتماعي. وعلى سبيل التوضيح، يكفي هنا أن نشير باختصار شديد إلى ما حدث مع البحرين، ومع العراق. ‭{{{‬ حربٌ على البحرين البحرين أكبر بلد عربي تعرض لحرب من الأكاذيب والأخبار والتقارير الكاذبة المضللة في السنوات الماضية. كما نعلم، تعرضت البحرين في 2011 إلى مؤامرة كبرى كان جوهرها تنفيذ انقلاب طائفي في البلاد لإسقاط نظام الحكم وإغراق البلاد في الفوضى الطائفية. هذه المؤامرة كانت أطرافها ثلاثة بالأساس، إيران، والإدارة الأمريكية في عهد باراك أوباما، والقوى الطائفية الانقلابية المحلية. نعلم جميعا إلى أي حد عانت البحرين وشعبها بسبب هذه المؤامرة الانقلابية، وما شهدته البلاد من أعمال عنف وإرهاب وتخريب، ومن محاولات لتدمير النسيج الاجتماعي، ومن حملات سياسية وإعلامية رهيبة على البلاد، إلى أن تمكنت من إفشال المؤامرة. المهم هنا أن البحرين تعرضت في السنوات الماضية، وفي إطار هذه المؤامرة إلى حرب سياسية وإعلامية شرسة بكل معنى الكلمة لم تتعرض لها أي دولة عربية. هذه الحرب السياسية الإعلامية على البحرين قامت في جوهرها على ترسانة رهيبة من الشائعات والأخبار والمعلومات الكاذبة المضللة. ثلاثة جوانب ارتبطت بهذه الحرب جعلت منها الأكثر خطورة على الإطلاق في العالم العربي، وربما في العالم كله: أولا: أن هذه الحرب، وما قامت عليه من تعمد الفبركة والتزوير، نظمتها دول، وشاركت فيها عشرات من مراكز الأبحاث، والمنظمات التي يحمل الكثير منه مسميات حقوق الإنسان والديمقراطية وما شابه ذلك، وأجهزة الإعلام بكل صورها. إيران وحدها خصصت عشرات من وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية لشن هذه الحرب على البحرين. ثانيا: إنه في هذه الحرب، تم استخدام كل صور الفبركة والتزوير المتصورة والمعروفة.. من صور، وفيدوهات، وفبركة معلومات مزورة وتصويرها على أنها حقائق.. الخ. ولعل من أخطر صور الفبركة والتزوير والتضليل في خضم هذه الحرب هي تلك التقارير التي دأبت على إصدارها مراكز أبحاث ومنظمات، بعضها رسمي في أمريكا والدول الأوروبية وتعمدت تشويه صورة البحرين وتزيف حقائق ما يجري خدمة للأجندة السياسية الطائفية. الخطورة هنا أن هذه التقارير تبدو أكاديمية رصينة وموضوعية في الظاهر في حين أنها تقوم على معلومات زائفة مضللة تقدمها على أنها حقائق. والخطورة أيضا أن أجهزة الإعلام اعتمدت على هذه التقارير باعتبارها تقارير موثوقا بها، مع أنها أبعد ما تكون عن ذلك. ثالثا: إنه مما ضاعف من خطورة هذا االتزوير والتضليل الذي استهدف البحرين أنه اتخذ طابعا طائفيا سافرا، وقام في جوهره على التحريض على فتنة وصراع طائفي. عموما، لو كانت هناك أي جهة توثِّق كم هذه الأخبار والمعلومات الزائفة الكاذبة في خضم هذه الحرب على البحرين لوجدت أنها ألوفا مؤلفة بالمعنى الحرفي للكلمة. ويجب أن يحدث هذا.. يجب توثيق كل جرائم التزوير والكذب والتضليل التي تعرضت لها البحرين. باختصار، ما تعرضت له البحرين في هذا المجال يعد حالة كلاسيكية مثالية للتأثيرات المدمرة للشائعات والأخبار الكاذبة على الأمن القومي في كل صوره وأبعاده. ‭{{{‬ الخامس من فبراير يوم الخامس من فبراير عام 2003، كان يوما مشهودا في عالم الفبركة والتزوير.. لو أن أي جهة فكرت في تحديد يومٍ عالمي للتزوير والتضليل الإجرامي في العالم، لاختارت حتما هذا اليوم. في ذلك اليوم، جلس كولن باول، وزير الخارجية الأمريكي آنئذ على مقعده في مجلس الأمن الدولي، ليلقي خطابا عن الأزمة العراقية. لوقت طويل جدا، عرض باول، باسم الولايات المتحدة الأمريكية، ما أكد جازما أنها «أدلة» دامغة لا تقبل التشكيك على امتلاك العراق أسلحة دمار شامل، وإيوائه عناصر من تنظيم القاعدة، وبالتالي تهديده الداهم لأمن أمريكا والمنطقة والعالم. عرض باول مكالمات هاتفية، وصورا فضائية، وغير ذلك من «أدلة» تؤكد ما يقول. ثم رفع باول علبة زجاجية صغيرة يمسكها بأطراف أصابعه، وهو يقول بتأثر شديد جدا: العالم مهدد بخطر الجمرة الخبيثة العراقية. طبعا، ما فعله باول على هذا النحو أتى في إطار الحملة العالمية المهولة التي أطلقتها إدارة بوش، وتوني بلير رئيس الوزراء البريطاني من امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل تهدد العالم، وذلك كتبرير لغزو واحتلال العراق. في ذلك الوقت زعم توني أن العراق لا يمتلك هذه الأسلحة وحسب، بل إنه قادرٌ على إطلاق أسلحة دمار شامل تجاه بريطانيا خلال خمس وأربعين دقيقة فقط. ما حدث بعد ذلك بات معروفا. بعد حديث باول وبلير بأسابيع وقع غزو العراق. ثم ثبت أن هذه أكبر وأشنع كذبة في التاريخ، وأن العراق لم يكن يمتلك أي أسلحة دمارٍ على الإطلاق. المهم هنا أن هذه الكذبة التاريخية لم تكن نتاجا لخطأ أو سوء حسابات وتقدير. إدارة بوش وإدارة بلير تعمدتا «صناعة» هذه الكذبة وفبركة كل الأدلة المزعومة على امتلاك العراق لأسلحة دمار على نحو ما عرض باول. وبهذه الكذبة حشدت أمريكا وبريطانيا رأيا عاماعالميا مؤيدا للغزو والاحتلال. وبالطبع، كل أجهزة الإعلام الكبرى في أمريكا وبريطانيا كانت شريكا أساسيا في الترويج لهذه الأكاذيب. الكارثة التاريخية الكبرى أنه بسبب هذه الكذبة كتبرير للغزو والاحتلال، تعرض العراق لدمار شامل على كل المستويات. ليس هذا فحسب، بل كان الغزو والاحتلال بمثابة البداية لمخطط رهيب استهدف تدمير الأمة العربية، وهو المخطط الذي تتالت فصوله بعد ذلك على نحو ما نعرف وليس هنا مجال الحديث عنه تفصيلا. ‭{{{‬ إذا كانت للشائعات والأخبار الكاذبة هذه التأثيرات المدمرة على الأمن القومي والسلام الاجتماعي، يبقى السؤال الأساسي: كيف إذن يجب التعامل مع هذه الظاهرة ؟.. ما هي سبل مواجهتها والتعامل معها؟ هذا موضوع المقال القادم بإذن الله

مشاركة :