د.غسان العزي
انخرط الرئيس ترامب شخصياً، بقوة، في معركة انتخابات الكونجرس النصفية التي جرت في السادس من الشهر الجاري، معتبراً أنها استفتاء شعبي على سياساته ونسخة مسبّقة عن الانتخابات الرئاسية المقبلة التي سيخوضها في العام ٢٠٢٠. وفور صدور النتيجة وصفها ب«الفوز الهائل» على الرغم من سيطرة الحزب الديمقراطي على أغلبية مقاعد مجلس النواب (٢٢٣ مقعداً من أصل ٤٣٥) في حين احتفظ الجمهوريون بالأغلبية في مجلس الشيوخ ورسخوها بتسعة مقاعد إضافية (من ٥١ إلى ٦٠ من مئة). لماذا اعتبر الرئيس أنه فاز في هذه الانتخابات؟ في الحقيقة أن سيطرته على مجلس الشيوخ ستتيح له الاستمرار في فرض مرشحيه في المناصب العليا لاسيما قضاة المحكمة العليا وفي فرض سياساته الخارجية. وبالتالي زالت مخاطر لجوء الكونجرس إلى خلعه لأن مثل هذا الخلع يتطلب موافقة ثلثي أعضائه وهذا غير متوفر للحزب الديمقراطي. ثم إن هذه النتيجة كرّست «الترامبية» في صلب المشهد السياسي الأمريكي بعد أن ظن كثيرون أن نتيجة انتخابات العام ٢٠١٦ كانت مجرد حادث عابر. وقد أثبت ترامب صوابية استراتيجيته الانتخابية إذ إنه استخدم في حملته أسلوب الترهيب وإثارة مخاوف الناخبين من تدفق المهاجرين واللاجئين بدل التركيز على ما تحقق من إيجابيات في السنتين الأخيرتين مثل النمو الاقتصادي وتراجع البطالة وارتفاع مستوى المعيشة والرواتب وغيرها. وقد شعر كثير من المرشحين الجمهوريين بالقلق جراء هذه الاستراتيجية التي يفاخر ترامب اليوم بأنها أثبتت نجاعتها. وفي السياق نفسه فإن عدم حصول «التسونامي الأزرق» الذي وعد به الحزب الديمقراطي يعتبر فوزاً لترامب الذي نجح على الأقل في المحافظة على قاعدته الانتخابية واستنفارها لمصلحته في هذه الانتخابات التي شهدت مشاركة شعبية واسعة. هذه المشاركة الواسعة كانت تعبيراً عن الاستقطاب الحاد الذي شهدته البلاد خلال هذه الانتخابات والذي سيزداد حدة على خلفية كونجرس منقسم على نفسه في السنتين المقبلتين. فقد بين استطلاع أجرته «الواشنطن بوست» أن ٧٠٪ من كل من الديمقراطيين والجمهوريين اعتبروا أنه من «السيئ جداً» للبلد أن يفوز الطرف الآخر في الانتخابات. وكانت شعارات الحزبين على طرفي نقيض، فالرئيس ترامب استخدم التخويف من «قوافل المهاجرين» الذين يتدفقون على الولايات المتحدة بل إنه هدد باستخدام الرصاص ضدهم على الحدود مع المكسيك وتلفظ بالكثير من العبارات التي تتضمن احتقاراً للنساء والأجانب ومثليي الجنس، في حين تقدم الحزب الديمقراطي بعدد كبير من المرشحين من النساء والمثليين والسكان الهنود الأصليين والمتحدرين من أصول أجنبية، وذلك في سبيل تغيير وجه الكونجرس الذي يسيطر عليه الرجال البيض بنسبة ٦٩٪، بحسب ما وعد. «أوقفوا الكرفان. صوتوا للجمهوريين» (أي قوافل المهاجرين) كان شعار الحملة الانتخابية الترامبية الذي حقق غرضه، فبحسب استطلاع «الواشنطن بوست» زادت نسبة الجمهوريين الذين ذكروا المهاجرين في أعلى قائمة مخاوفهم من ١٤٪ الى٢١٪ في شهر واحد وبات هذا الموضوع يحتل المركز الثالث لدى الرأي العام عموماً بعد التأمين الصحي والاقتصاد. في المقابل ركز الديمقراطيون حملتهم على التأمين الصحي الذي عاد ليتبوأ المركز الأول في قائمة هموم المواطنين، وعلى محاربة «الشعبوية الرجعية» لترامب بحسب تعبير الرئيس السابق أوباما. وكما أعلن ترامب فرحته بالانتصار كذلك فعلت زعيمة الديمقراطيين نانسي بيلوسي التي اعتبرت أن حزبها حقق الفوز الموعود. فسيطرته على مجلس النواب سوف تتيح له إعاقة عمل ترامب التشريعي عبر إجهاض مبادراته وحرمانها من التمويل، وبالتالي فلن يتمكن من تحقيق الوعد الذي تقدم به مؤخراً بالمزيد من التخفيض الضريبي وكذلك ببناء الجدار مع المكسيك. لكن ذلك سيمنح الرئيس فرصة اللجوء المتكرر ل«تويتر» ليشكو أمام المواطنين من ملاحقة الاستابليشمنت له وعرقلة عمله. وقد كشفت هذه الانتخابات بنتائجها المتناقضة عن تخبط المجتمع الأمريكي وانقساماته الحادة. فقد حقق الخطاب الشعبوي المتطرف فوزاً لا يمكن نكرانه، لكن في المقابل حقق نقيضه فوزاً لا يمكن تجاهله في الوقت نفسه. فقد وصف عام ٢٠١٨ بعام المرأة لما شهده من هذا العدد الكبير من النساء اللواتي يفزن في الانتخابات النصفية للكونجرس الذي بات يضم ١١٣ امرأة، وأكثر من ذلك فقد دخلت الكونجرس امرأة مسلمة محجبة من أصل صومالي عاشت لفترة في مخيم لاجئين (الهام عمر) وأخرى فلسطينية هي رشيدة طليب، وأخرى عمرها ٢٩ سنة من بورتو ريكو (الكساندريا أوكازيو-كورتيز) كانت تعمل العام الماضي نادلة في إحدى حانات نيويورك وأخرى (ديب هالاند) تنتمي إلى قبيلة لاغونا بويبلو من الهنود الحمر سكان البلاد الأصليين، ورابعة من هؤلاء السكان. عدا ذلك لا مفاجأة حقيقية في نتائج الانتخابات، ذلك أنه جرت العادة أن يفوز الديمقراطيون حيث يكون الاقتراع شعبياً (مجلس النواب)، والجمهوريون عندما يقوم الاقتراع على الولايات، أي مجلس الشيوخ والناخبين الكبار بالنسبة لرئاسة الجمهورية، وهذا ما حصل مع ترامب في العام ٢٠١٦ وقبله مع بوش الابن عام ٢٠٠٠.