منذ ما يربو على الأربعين عامًا، عاشت فرنسا حالة من الاستقرار والأمن، تفرغت خلالها للبناء والتعمير والنهضة والتطوير، ففي تلك الآونة عبث الإرهاب بأمن فرنسا، التي عمتها مشاعر الهلع والقلق، بين ترويع الآمنين وقتل الأبرياء، من خلال أحداث إرهابية متتالية، نذكر منها -على سبيل المثال لا الحصر- بعض النماذج ومنها: استهداف مجموعة من المظليين من قبل متطرفين إسلاميين، أعقب ذلك اعتداء بالمتفجرات على شبكة السكة حديد، تلاها اعتداء بقنبلة أمام الخطوط التركية، تلتها قنابل يدوية داخل مطعم (غولدنبرغ) وحادث هجوم على قطار، وهذا قليل من كثير حصد أرواح الأبرياء، شهدته تلك الفترة العصيبة، حينها بذلت السلطات جهود المكافحة المكثفة، حتى استتب الأمر وهدأت الأحوال وبسط الأمن ظلاله مجددًا، وبعد تلك السنوات الآمنة، ها هو التطرف يطل مرة أخرى بوجهه القبيح في عملية بشعة من عملياته الوحشية، والتي راح ضحيتها 12من الأبرياء، مستهدفة مقر مجلة (شارلي إيبدو) وتمكنت السلطات الفرنسية من تعقب الجناة ومنفذي العملية الإرهابية في وقت قياسي، وجارٍ تتبع بقية هذه المجموعة الإجرامية ومن يقف وراءهم.. متمنيًا أن تظفر بهم حتى يعلم الضالون والذين على شاكلتهم أنهم لن يفلتوا من الحساب والعقاب، حينها سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. إني لأعجب كيف ينصب الإنسان نفسه حكمًا وجلادًا على الآخرين، ألا يعلم أن أرواحهم الطاهرة تتعقبه، ودعاء المنكوبين من ذويهم يطوقه؟ ما بهذا أمر الإسلام ولكنها أفكار رفقاء الضلال وأصحاب السوء. إن العالم يشهد بأن المملكة قد أعلنت الحرب على الإرهاب، وترفض التطرف بشتى صوره، وستظل تحاربه بقوة وضراوة، إحقاقًا للحق وإزهاقًا للباطل، حتى يتم لها النصر وتتمكن من استئصال شأفة الإرهاب في الداخل، والتعاون مع الآخرين لاقتلاع جذوره من كل العالم، وهذا يتجلى من مواقف المملكة الجادة، وعلى رأسها تأسيس مركز مكافحة الإرهاب الذي دعمته بمبلغ 100 مليون دولار، فها هي اليوم تعبر شجبًا واستنكارًا عن رفضها لذلك الهجوم الإرهابي الذي شهدته مكاتب صحيفة شارلي بفرنسا، وتشارك على الصعيدين الرسمي والشعبي الشعب الفرنسي الصديق أحزانه، هذه هي المملكة التي تقف حاجزًا يحبط مخططات الإرهاب الدنيئة، وسدًا منيعًا في وجه مطامعه البعيدة المنال، أملًا في بزوغ فجر آمن، على عالم ينعم بالسلام والاستقرار، عالم يليق بتعاليم الإسلام وأخلاق المسلمين، هكذا ستبقى المملكة على العهد، قادرة على تحجيم العدوان وردم بؤر الفساد ومستنقعات الضلال والتطرف. كل مسلم غيور على دينه، ورغم وجود خطوط حمراء يزعجه تجاوزها، إلا أنه يوجد شواذ يتجاوزونها عمدًا بقصد الإثارة أو إشعال نار الفتنة، ويسمي ذلك حرية الرأي، فالفطن الذكي والمسلم الحق لا يعالج مثل هذا الخلل بالإرهاب والعنف والقتل، وهذا ما تعلمناه من نبي الرحمة حينما ظفر بمن آذوه وأساءوا إليه، فحكم عليهم بقوله صلى الله عليه وسلم: (اذهبوا فأنتم الطلقاء). إن سخرية الصحيفة المنكوبة من الأديان الثلاثة (اليهودية والمسيحية والإسلامية) لا يقره عاقل، ومع ذلك لم يتصدى اليهود والمسيحيون لما حدث، بينما تفاعل معه بعنف أولئك المتأسلمون الذين يدّعون الإسلام، وبدل أن ينتصروا للإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة، شوهوا صورته الزاهية، فرغم أفكارهم المريضة سيبقى دين السلام والمحبة والتسامح، فأين السماحة والنقاء من تلك الفئة الضالة ؟ بحديثنا عن الإرهاب والوسائل الجادة لمكافحته، يتضح أن المملكة -وبكل فخر- تتصدر قائمة الدول المهتمة والحريصة على إرساء قواعد الأمن والسلام، وتسعى جاهدة لدعم الاستقرار إقليميًا وعالميًا، وما خطاب خادم الحرمين الشريفين أيده الله إلا خارطة طريق تمهد لبلوغ هذه الغاية السامية، فقد تضمن توجيهاته السديدة -حفظه الله- بضرورة مضاعفة وتكثيف جهود العلماء التوعوية لتقليص هذا الخطر الداهم. sbt@altayar.info
مشاركة :