تبدو احتمالات الصدام بين كبرى شركات الطاقة البريطانية والحكومة قاب قوسين أو أدنى، فقد استبقت تلك الشركات اللقاء المزمع عقده مع ماثيو هانكوك وزير الطاقة والمشاريع التجارية بالإعلان عن رفضها خفض أسعارها، قبل الانتخابات البرلمانية هذا العام. قرار رؤساء مجالس إدارات تلك الشركات سيبلغ للوزير البريطاني والمسؤولين عن ملف الطاقة في الحكومة خلال الاجتماع المتوقع له الأسبوع المقبل، ويؤكد كبار المسؤولين في تلك الشركات بأن طلب الحكومة غير منطقي وغير عملي وذلك على الرغم من انخفاض أسعار النفط في الأسواق الدولية. التصعيد في المواجهة بين الطرفين، يأتي في أعقاب رسالة جديدة بعث بها ماثيو هانكوك إلى أكبر ست شركات للطاقة في المملكة المتحدة، يطالبهم فيها بخفض الأسعار بعد تراجع أسعار البترول في الأسواق العالمية لمستويات متدنية للغاية. وكانت الحكومة البريطانية بعثت برسالة لتلك الشركات بهذا الشأن، إلا أن الرسالة الأخيرة بدت أكثر حدة، كما حازت على دعم رئيس الوزراء البريطاني ووزير المالية، ونشرت وسائل الإعلام البريطانية بعض المقتطفات جاء فيها، أن أسعار النفط تتراجع منذ أشهر، والآن هي أقل بنحو 50 في المائة، مقارنة بما كان عليه في ذات الوقت من العام الماضي، وفي أسواق تنافسية فإني أتوقع أن تقوم الشركات الموردة للطاقة بخفض الأسعار، ولكن شركات الطاقة الكبرى في بريطانيا فشلت للأسف في خفض أسعارها. رسالة الوزير البريطاني وجدت ترحيبا لدى عديد من الخبراء الاقتصاديين، إذ يعتبر الدكتور جري كاتنر الخبير الاقتصادي في المجموعة الدولية للاستثمار، أن الضغط الحكومي على شركات الطاقة أمر منطقي، ويحقق فوائد اقتصادية تعود بالنفع ليس فقط على المستهلك وإنما على الاقتصاد البريطاني ككل. وأضاف كاتنر لـ "الاقتصادية"، أن الإنفاق المنزلي على الطاقة يلتهم جزءا كبيرا من إجمالي إنفاق الأسرة البريطانية، حيث تشير بعض التقديرات إلى أنه يمثل بين 25 و35 في المائة من إجمالي ميزانية الاستهلاك المنزلي، ومن ثم فإن خفض شركات الطاقة الكبرى لأسعارها، سيؤدي إلى تحويل ما سيتم توفيره إلى قطاعات استهلاكية أخرى، وسيرفع من مستوى معيشة المواطن البريطاني، ويسمح بدعم النمو في قطاعات اقتصادية مختلفة. وأضاف أنه يجب أن نأخذ في الحسبان عامل الجذب الاستثماري، فخفض أسعار الطاقة في بريطانيا مقارنة بباقي البلدان الأوروبية يعزز من عوامل استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية للاستثمار في المملكة المتحدة، وعلينا أن نتذكر أن تكاليف الطاقة تعد عنصرا أساسيا في حساب التكلفة خلال الجدوى الاستثمارية للمشروع، فإذا كان لدينا ذات التكلفة للأجور والرواتب وذات الدرجة من المهارة للأيدي العاملة مقارنة بألمانيا وإيطاليا وفرنسا على سبيل المثال، فإن أسعار الطاقة ستلعب دورا مهما في عملية الاستقطاب لرؤوس الأموال الأجنبية. ولكن ما الذي يدفع الشركات الستة الكبرى للطاقة في بريطانيا بمقاومة أي تخفيض للأسعار، وما مبررات الرفض؟ تتباين الإجابة بشدة على هذا السؤال وفقا لماهية المجيب. فشركات الطاقة تنفي أنها لم تقدم أي تخفيضات سعرية، وتدعي من جانبها بأن مقارنة الأسعار الآن بما كانت عليه في الماضي يكشف عن أن الأسعار حاليا أقل بنحو 100 جنيه استرليني في المتوسط بما كانت عليه العام الماضي. إلا أن هذا الادعاء يواجه بالرفض من قبل جمعيات حقوق المستهلك، وتشير إلى أن الأسعار لم تتغير، وأن التغييرات الراهنة طفيفة وناجمة عن المنافسة بين الشركات لاستقطاب العملاء، وليس جراء انخفاض أسعار النفط، وتفسر جمعيات حقوق المستهلك رفض شركات الطاقة الستة الكبرى خفض الأسعار قبل الانتخابات البرلمانية، بتخوفها من أن يفوز حزب العمال بتلك الانتخابات. ومع تعهد زعيمه إيد مليباند بأن يجبر شركات الطاقة على تثبيت الأسعار لمدة 20 شهرا إذا ما فاز في الانتخابات المقبلة، فإن شركات الطاقة تتحسس من القيام بخفض الأسعار حاليا، وأن يقوم حزب العمال بتثبيتها لمدة 20 شهرا، وهو ما يعني تراجعا حادا في معدلات الأرباح لديها. وأشار مارك وليس الباحث الاقتصادي في مجال الطاقة إلى أن الأرباح هي كلمة السر وراء رفض رؤساء مجالس إدارات شركات الطاقة الكبرى خفض الأسعار، مضيفاً أن هذا الخفض يعني عمليا تراجع أرباح شركات الطاقة، ما سيؤدي حتما لانخفاض قيمة أسهمها في البورصة، وهذا سيخلق ضغوطا من المساهمين على مجالس إدارات تلك الشركات، سواء بالمطالبة بتبني سياسات جديدة أو بتغيرها. لكن شركات الطاقة البريطانية تبرر معارضتها لخفض أسعارها، ورفضها لدعوة البعض بأن تبيع الطاقة للمستهلكين بنصف سعرها الراهن، خاصة أن أسعار النفط تراجعت لأكثر من نصف قيمتها، تبرر موقفها بأن السعر الإجمالي للطاقة في بريطانيا يرتبط بعوامل متعددة وليس فقط أسعار النفط، وهذه العوامل لم تتغير في اتجاه الانخفاض السعري ومن بينها الضرائب الحكومية عليها. إلا أن هذا المبرر لا يجد قبولا لدى جمعيات حقوق المستهلك في بريطانيا، التي تشير إلى أن متوسط الفاتورة السنوية للطاقة للأسرة البريطانية بلغت 1265 جنيها استرلينيا بزيادة تقدر بـ 168 في المائة عما كانت عليه قبل عقد من الزمان، وتتهكم تلك الجمعيات على سلوك شركات الطاقة الكبرى، برفضها خفض الأسعار عند انخفاض أسعار النفط، بينما لا تتوانى برفع الأسعار بمجرد زيادة أسعار البترول في الأسواق الدولية. ويقول استيورت باري عضو مجلس إدارة جمعية حماية المستهلك لـ "الاقتصادية"، إنه يتعين على الحكومة أن تتصرف بحسم مع شركات الطاقة، فنحن نريد أفعالا تنعكس سريعا على الفاتورة الشهرية للطاقة، لأن الذين كانوا يلقون بالمسؤولية على الدول المنتجة للنفط ويحملونها دائما مسؤولية ارتفاع أسعار الطاقة في العالم، عليهم أن يواجهوا أنفسهم بصراحة، فالقضية لا تكمن في المنتجين، بل في شركات الطاقة التي تحقق أرباحا بالمليارات، سواء ارتفعت أسعار البترول أو انخفضت.
مشاركة :