كانت الخطابة في عصر الإسلام والعصرالجاهلي لها أهمية كبرى وذلك لتأثيرها على عقول الناس، فإذا كانت السيادة للعقل فأين الوعي من الواقع اليوم، بل أين الواقع الذي شرعت في وصفه أيها الإنسان على المنابر، وفي الظاهر سياقات مبطنة تستدرج عواطف الناس، ومن ناحية أخرى تدعو إلى تقسيمات لاتدركها كل الأذهان أغرقت مستمعيها في غايتها وتفخيم فائدتها وجذب الأهواء والانغماس في القضايا وشرعيتها؟ وإتقان الإقناع كسلطة مطلقة. ومن زاوية أخرى وجد الشخص أن ما تركه وأعرض عنه بالأمس شكّل عائقاً في حياة الناس وخلق من الدهشة هلعاً، وبهذا المعنى كانت الكلفة عالية ما جعلها تؤدي إلى تفاعلات غيرمستقرة. فكان الارتباط غامضا بين الدين والناس والنظام الاجتماعي والسياسي من خلال هذه الظواهر، وكذلك الفهم والتفسير ملتبساً يدفن أي تساؤل، ويتخلى عن القناعات الشخصية لصالح آخرين يعملون عكسها فبالتالي تجاوزها أدى إلى جدل واسع وحرب شعواء من قبل بعض المتشددين. وفي الأصل كانت هناك عدة تشبيهات وصراع تأويلات التصقت بالدين وفرضت واقعاً اجتماعياً منقسماً، ولا نعلم من نلوم ومن ندين وبالتالي من جنح إلى غرس نبتة الإرهاب على ارضنا وأخفاها ضمن أجندة تعمل في الظلام بيننا. فقد كانت أصداء المنابر عالية ونبرات الأصوات تعانق النجوم، والأقلام تمسح ما تكتب وتعيد كتابة ما تمسح وساحة العقول تعج بالحراسة، وليس هناك سبب يجعل المسائل أكثر تعقيداً لكي تتسلل إلى التجارب اليومية وإلى خصوصية الناس بتخطيط متقن وعلى وجه التحديد استغلال العقول الشابة. والحقيقة التي يجري الحديث عنها هي كارثة الإرهاب بوصفه عملاً إجرامياً بدأ من المنابر وانتهى إلى شبكات التواصل الاجتماعي وما من شك أن الدولة اتخذت كافة التدابير لمحاربته فأصمتت تلك الأفواه التي تعمل خارج النطاق الإنساني وتهجّر الشباب إلى مناطق الهلاك والحرب، ثم أشاد العالم بجهود المملكة في هذا الجانب. (فالظواهر الإنسانية تنطوي على ذاتية فاعلها أي الإنسان وإرادته وحريته ومقاصده التي لايمكن قياسها ولا التنبؤ بها، كما لمح (بول ريكو) عن الجدول الزمني لبداية العنف ونهايته ولا يسعنا القول للذين قضوا بسبب الإرهاب إلا إنا لله وإنا إليه راجعون ونحسبهم عند الله شهداء ولا نزكي على الله أحدا. وينبغي لنا منذ الآن البحث عن تجاوز الأهداف والتحكم الخالص في الاعتراضات وكيف تخضع حقوق الناس للنقض والنقد داخل دائرة الدين والسياسة، فأخلاق السياسة العالمية لم تمنع قتل الأطفال في سورية والعراق ولن تصلح أبداً لتكون ديانة. فلنبحث إذن عن المرآة التي تعكس الواقع -تعكس أشياء حقيقية لم تظهر فيما مضى من عمرالزمن - أشياء عميقة غير قابلة للتشاور والتفاوض، وقد ربط الفارابي فكره بالواقع الإسلامي وأظهر جوانب الخصوصية والأصالة، وحثت نصوصه على الانفتاح، كما حاول فهم الظاهرة الدينية وركز على وحدة الفكر في الله لأن العقيدة لها تأثير في المجتمع وأعماق الفرد وخاطب الناس أن يؤمنوا ويعتقدوا ويسلموا وقدم تصورا عميقاً للملة في الإسلام. فقد حالف الحظ الإنسان اليوم وأتاح له جميع الفرص، ووثق ثقافته وأفكاره وجميع آرائه وتوجهاته وقناعاته على الشاشات والكتب والصحف للتاريخ، إنه عصرالكتابة الذي فجر عبقرية الناس بعد المتغيرات الكبيرة في البنية الاجتماعية والأنماط السلوكية المختلفة وسيطرة الأيدلوجيا عليها، إنه عصر إدارة الأفكار وتجنيد الكلمات، فلا بد من تكثيف التوعية ونبذ العنف لأنه يعزز الإرهاب في قلوب الصغار قبل الكبار.
مشاركة :