احتفال عاطفي يتكرر كلما انشق أحد الدواعش أو نشب بين أعضائه تلاسن أو اشتباك مسلح، وكأن هذه الأحداث العابرة نهاية الإرهاب والقــضاء عليه، مثل هذه النشوة ليست مؤشراً جيداً، لأنها تعني أن الأمل باستــئصال هذه الآفة سيكون من داخلها، وليس بفعل التصميم والإرادة وقوة المواجهة. الدولة الافتراضية التي يحكمها «داعش» أكبر من كل من العراق وسورية بوضعهما الحالي، وهو يحارب على جبهات عدة ويلتحق به يومياً - بحسب بعض التقارير - نحو 50 شخصاً ما يعني أنه ينمو ولا يذوي، ثم إن خطورته ليست في الهيكلية الحالية، بل في انتشار فكرة الإرهاب واستــقطابها لشباب من كل الجنسيات مهما كانت أسبابهم وأهــدافهم، ما يحــيل الجماعة من كتلة صلبة إلى حال زئبــقية تصـعب محاصرتها والإمساك بها. هذه الجماعات عرضة دائمة للانشقاقات كلما طال الأمد أو تكثفت الضربات، لأن الفكرة القائمة على الإنجاز تتفكك ومن ثم تتضارب الآراء والتوجهات في كيفية إدارة المعركة، إضافة إلى تنامي تكتلات داخلية مع الوقت ترى أنها يجب أن تحصل على امتيازات أكثر مستفيدة من غياب القيادة، وعجزها عن الحركة والظهور المستمر اللازمين لضبط حالات التمرد والمعارضة. جماعة «الإخوان» كان انشقاقها الأول في الستينات حين ظهرت «القطبية» بتوجهــها العنيــف والميــل للسلاح، التي تمرد عليها تنظيم الكلية الفنية و«الجــماعة الإســلامية» وغيرهما، ثم جاءت «القاعدة» مع أفغانستان وبعدها «طالبان»، وجماعات شتى في الشيشان والصومال ونيجيريا والفيليبين وسواها. تمزقت «القاعدة» إلى عشرات الأجزاء، ومع ذلك زاد عددها، لأن الخطر في الإرهاب لا يكمن في التنظيم ذاته، بل في الجذوة التي تستقطب الشباب وتتلاعب بحماستهم الدينية أولاً، ثم جاذبية المغامرة والسياحة القتالية والمتع المتعددة جرائمياً مع «داعش». الإرهاب ليس الدواعش فقط، ففي سورية وحدها نحو 20 جماعة يتنقل الأفراد بينها في موجات متعاقبة كلما وجدوا مغانم أكثر في المجموعة الأخرى، لكنهم مع ذلك يبقون إرهابيين موقدين للمخاطر، سواء بقوا في أماكنهم أم نجحوا في التسلل إلى ديارهم أو بلدان أخرى. الانشقاقات لعبة داخلية وصراع تفرضه طبيعة التفاعل وتباين الجنسيات وأولوية الأهداف، لكنها إذ تزيد حصة «النصرة» أو غيرها فإن الجميع إرهابيون، بل إن الانشقاقات التي تدّعي التوبة قد تكون أكثر خطراً، لأن الجذر الإرهابي يصعب الخلاص منه حتى بعد سنوات، ومن يستمتع بالقتل والدمار يعجز أن يكون حمامة سلام ومحباً للبشرية. العلامة الدالة على كسر شوكة الإرهاب هي بالسيطرة على تدفق الإرهابيين الجدد، وحين تتم السيطرة على الحدود، خصوصاً التركية، فإن التآكل والضمور سيكونان النهاية الحتمية لكل هذه الجماعات نتيجة توقف التغذية، أما حال المرور السائبة فإن مآلها زيادة خطر الإرهاب مع سهولة الحركة في الجانبين. الحصار القوي إن تحقق هو العامل الأبرز، إذ يشعل الاقتتال الداخلي ويحرك نوازع التمرد والخيانة، وحينها ليس مهماً لأية جماعة ينتمي الإرهابي، فلا نجاة له إلا بالاختباء الطويل والعزلة عن المؤثرات، فكأنه يصنع لنفسه سجناً بينما يظن أنه من الناجين.
مشاركة :