يصاب رفيق دربه بالمرض لسنواتٍ طويلة، وحين زادت حالته سوءاً، بدأ يتحطم ويشعر بأن مشاعره مبعثرة، فهو بالنسبة له أكثر من أخ، لأنه يرى فيه الرفيق والمعين والروح، الذي لا يستطيع أن يتخلى عنه، مهما كانت الظروف. ولشدة حزنه، لم يعد يهتم بنفسه، بسبب ألمه على حالة رفيقه المتدهورة، ومن تلك اللحظة، وهو يرتشف من كأس الأسى، لأنه افتقد مواقف رفيقه الطريفة وضحكاته التي لا تفارقه، وطيبة قلبه النادرة في هذا الزمان. يا لها من علاقة صادقة، تعجز قواميس اللغات عن وصفها. سألته حين كان مع رفيقه، ولاحظت حجم الإعياء على وجهه «لم لا تذهب إلى البيت وتأخذ قسطاً من الراحة، يبدو عليك الإجهاد والتعب». فرد رفيقه المريض مباشرةً «هل أنت بالفعل متعب، أرجوك اذهب إلى البيت، وسأراك غداً بإذن الله». فرد الرفيق رد المحِب ليطمئن قلبه «أنا كما عهدتني يا صديقي، لا أنكسر، قوي، لن أتركك مهما حصل». بعد مرور ساعة من الزمن، طلب رفيقه أن يحدثني، فقال لي بنبرة استياء «لا أعرف ما يدور في ذهنه، لأنه لا يقول لي شيئاً حتى لا أتألم، ولكن هذا الشخص رفيقي منذ صغري، لم أبتعد عنه في صحته، ولن أبتعد عنه الآن في لحظات مرضه، فما زالت ذكرياتنا الجميلة عالقة بقلبي، لذا، لا تقولي أمامه بأني أبدوا متعباً، حتى لا يشعر بأن وجودي معه يثقل كاهلي». الحب والوفاء والإخلاص فعلاً مواقف، وليس كلمات متناغمة تتردد على مسامعنا. ما أكثر الأصحاب حين تعدهم.. ولكنهم في النائبات قليلُ. فما إن أصيب هذا الشخص بالمرض، تغير سلوك الأصدقاء والأحبة مئة وثمانين درجة، فاندهش من حالهم الذي انقلب. والمحزن المبكي، أن البعض تركوه لفترة طويلة متألماً، وهو يصارع المرض وحيداً وحزيناً، لابتعاد من لم يقصر معهم يوماً. فحين جاء الوقت الذي احتاجهم فيه ليخففوا عنه الألم، رحلوا جميعاً، ولم يبقَ سوى رفيق دربه، كالبلسم الشافي. عذرٌ أقبح من ذنب. للأسف، الناس عادةً في لحظات الفرح يجتمعون، لأن فيه بهجة، ولكن في لحظات الأسى يختفون، وعذرهم في الابتعاد، هو أنهم لا يستطيعون تحمل رؤية هذا المريض بهذا الوضع المؤلم. ولكنهم لا يعلمون أن هذا المريض، يزداد ألمه أكثر، لتخلي الجميع عنه في الوقت الذي يشعر أنه بأمس الحاجة للمقربين منه في تخفيف ألم مرضه. سلام على الدنيا إذا لم يكن بها.. صديق صدوق صادق الوعد منصفا - الإمام الشافعي. أضاف رفيقه في نهاية حديثه معي «تألمت حين عبّر رفيق دربي وهو يذرف الدموع، عن استيائه لتخلي البعض عنه في مرضه، والابتعاد عنه كأنه فارق الحياة، فأيقنت أن البعض بالفعل جاحد وناكر للجميل». كن بلسماً شافياً للأحبة، وحصناً حصيناً يحتمون فيه من تقلبات الحياة، وإذا وجدت نكران الجميل لكل ما فعلته، تذكر أن قدرك وأجرك عند الله كبير، وهو لن يضيع أجر أعمالك الحسنة.طباعةEmailÙيسبوكتويترلينكدينPin Interestجوجل +Whats App
مشاركة :