عندما نجح خليل الفزيع في القسم الثانوي بالمعهد العلمي بالأحساء عام 1371هــ كانت أمامه عدة خيارات وظيفية الا انه عشق الصحافة وتعلق بها الى درجة أنها كادت تنسيه موهبته القصصية فيما كنت أظنه انصرافا عن القصص والمقالة الأدبية وهما منهجان ابتدائيان افتتح بهما الأستاذ خليل تلك المرحلة الخطرة عند الشباب وطموحه اللامتناهي حيث بدأ مشواره الصحفي مراسلاً لبعض الصحف المحلية وجريدة اليوم كان لها نصيب الأسد من نشاطه حتى فرغ مركز رئيس تحرير الجريدة فكان أول من وقع عليه الاختيار لحصافته وحكمته وهدوئه اللامتناهي وحلمه اللامحدود وهما الصفتان اللتان اتصف بهما زعيم وفد عبدالقيس الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولايستغرب ذلك المسلك الراقي على ابن القرية الغافية على ضفاف المزارع ومنقبئة بظلال النخيل دائماً تغسل أقدامها في مياه الينابيع الباردة التي تكسو من يقترب من عذبها بالراحة والهدوء والحلم والأناة.. وكنت خلال هذه الفترة أتواصل معه بعد أن قلمت أظافري وكان أملي من فعل ذلك أن يجف قلمي عن الكتابة وعقلي عن الفكر الا أن ذلك الانسان الذي فتح لي قلبه أعادني الى فضفضة نفسي وأعطاني مفاتيح الأمل بأن أعود الى المسار الذي وددت ولُوجه، فكنت أكتب وخليل ينشر وأستمر انا في الكتابة ويستمر هو في النشر في جريدة اليوم التي عاصرتها منذ حوالي نصف قرن غير مبال بالعوائق والعيون الحمراء التي تفتح بغضب تارة علي وتارة عليه هذا علاوة على كتاباته عني التي كان دافعها المحبة والولاء والإخلاص لرسالة الصحافة التي تحملها هو كما تحملتها أنا حتى قررت ان لا أقف خارح ذلك السرادق الجميل المملوء بالإثارة والحيوية وتقديس الرسالة الخالصة لأجل الاصلاح وكان خليل يشجعني فنشر لي مقالاً تحت عنوان (الاحساء تنام على أعتاب التنمية) فجاءت الفرصة لإجراء اللازم نحو خليل أما أنا فنجوت بفضل الله.. وهكذا كان، ستين عاماً وأنا ملتصق بزاوية في جريدة اليوم وان كنت في بعض الأحيان أتشوق للنشر في بعض الصحف والمجلات المحلية والخليجية مما لا تتسع له صفحات جريدة اليوم، وصدقوني ان خليل يعرف انني كنت لا احس بنبض الحياة من حولي ومن هنا كنت أزداد قرباً ومعرفة بالأخ الأديب الفاضل الكاتب الشاعر خليل الفزيع ويعلم الله أنه كتب عني أكثر مما أستحق وألبسني ثوباً فضفاضاً يعرقل مسيري وانا لا أكتب هنا لاجراء جرد لما كتبه عني خلال هذه الفترة (نصف قرن) أو تزيد ولو أنه جمع ما كتب عني- جزاه الله خيرا- سيكون هناك كتاب من كتب السير التي يمكن الرجوع إليها مكتوبة بأمانة وعقل المفكر وعشق الصداقة الحقة التي امتدت على مسار هذه العقود من الزمن الجميل. والزميل بل الأخ والصديق يتصف بصفات لا توجد لدى كثير من الناس وأهم هذه الصفات الهدوء فهو ان تحدث الى شخص فان حديثه يكاد يكون همساً، قليل التعصب للرأي متسامح فيه ثقافة الحضري الذي أخذ من معطيات الحياة العصرية ومستجداتها مع تمسك بالسمات القروية وما فيها من مخزون الطيبة والتسامح والمبادرة لخدمة الآخرين.. وقد حباني الله برفقته في السفر فوجدت فيه خير معين، خدوم قليل السؤال الا في ما يهمه جداً، لا يتملق ولا يمدح اي انسان في حضوره وانما يذكر كل صديق وزميل بما فيه من صفات محمودة ويكون ذلك في غيايه وبذلك فهو خير رفيق في السفر والحضر أرجو من الله العلي القدير ان يديم عليه من نعم هو لها أهل... ولعل القراء لاحظوا انني لم أتحدث عن خليل الأديب والكاتب الشاعر الصحفي وتركت ذلك للقراء الذين أتعبت أنظارهم حروف المطابع.
مشاركة :