صناعة التاريخ 2-2 - أميمة الخميس

  • 1/28/2015
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

في عام 2007 عندما زار الملك عبدالله الفاتيكان والتقى (البابا) الذي يمثل أعلى سلطة دينية في العالم المسيحي (الكاثوليكي) بالتحديد. أذكر أنني كتبت مقالاً حول تلك الزيارة أسميته (غزوة روما)، ولعلي استقيت عنوان مقالي من معجمنا التراثي والثقافي الذي اعتاد أن يقسم العالم إلى قسمين (أرض سلم/ أرض حرب)، ويشطر علاقتنا مع الآخر إلى ثنائية حادة هم.. ونحن، تلغي جميع ما تخلق في رحم الإنسانية من دبلوماسية التوافق والتعايش. هذه الثنائية التي كانت تؤطر علاقتنا مع الآخر وتختصرها في جهادين(إما جهاد طلب أو/ جهاد دفع) ولا أمر آخر سواهما، لاسيما أن الآخر تبدى لنا في العصر الحديث عبر أبشع صورة يعكسها حضوره الاستعماري، وبالتالي تكرست هذه الصورة وترسخت وباتت هي الممر الوحيد الذي يقودنا إليه. عام 2007 كانت الأعاصير تحف المملكة، وتداعيات الحادي عشر من سبتمبر وأصابع الاتهام التي تحفنا عبر 15 فتى سعودياً على متن تلك الطائرات التي حامت فوق أمريكا أبابيلَ تنثر دماراً ثقيلاً، بالإضافة إلى احتلال العراق، والتربصات الإقليمية، والحرب الداخلية على الإرهاب. ومن هنا أخذت غزوة روما أهميتها على مستوى التوقيت في تلك المرحلة الحرجة جداً من تاريخ المملكة والطريقة التي سار بها ربان السفينة بسفينته وسط التحديات الخارجية والهتافات الجوفاء العنترية من الداخل. يأتي دور القائد التاريخي الذي كما ذكرت في مقالي الآخر هو القائد الذي يصنع التاريخ ولا يصانعه، يسوده ويسدده، فان تخترق تلك المنظومة الثقافية المتشابكة المعقدة، وتصنع درباً ثالثاً لعلاقتنا مع الآخر، متجاوزاً تلك المساحات الغامضة المزروعة بألغام التوجس والرفض ورائحة الدماء والأساطير والقصص، كان لابد لها من قلب أسد أن يقتحمها ويرفع راية .. تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم.. لاسيما أن الفتيكان لم يعد الفتيكان ذلك التنين الهائج الناري القديم بمخالبه ومحاكم تفتيشه وصكوك غفرانه.. بل بات الفاتيكان قطاً أليفاً مقلم الأظافر حياً عريقاً من أحياء روما.. يكفّر ويعتذر عن أخطائه القديمة.. وآخرها هو اعتذاره عن وحشية ومجازر الحروب الصليبية ضد المسلمين. وتأتي أصالة فكرة الحوار لأنها أتت لمعالجة قوالب مصمتة عائلية مناطقية قبلية مذهبية مغلقة وتجتر حقائقها الخاصة الثابتة. وكانت فكرة الحوار الوطني هي رؤية ربان يعلم أن الطريق الوحيد للنجاة بهذا المركب لا تأتي سوى عبر التعايش والتكامل وفتح صناديق الشك والاسترابة وتعريضها للضوء. وانطلقت جلسات الحوار الوطني، والتف حول طاولات الوطن الجميع حتى أولئك الذين كانوا ينتبذون أقصى الطرفين، وأولئك الذين اعتادوا أن تقال آراؤهم الوطنية فقط في أحاديث الديوانيات الخافتة، وتجار الدين الذي دأبوا على تحويل آرائهم الخاصة إلى مواعظ تأليبية توزع عبر أشرطة الكاسيت.. والنساء اللواتي اكتشفن أصواتهن على مائدة الحوار. وحول طاولة الحوار الوطني ابتدأنا نرى بريق أطياف الوطن مابين اثني عشرية واسماعيلية وصوفية، تباين الألوان الذي يتماهى مع كون الخالق المفعم بالألوان والتعدد.. بينما جميعنا نعلم اللون الواحد هو لون الفناء. فكرة الحوار الوطني هي من أهم الخطوات الإصلاحية التي أحدثت انقطاعاً مع الأحادية التي يتولد عنها الجمود والتطرف والعنف، فكرة الحوار الوطني جذرت الانتماء على أرضية الشراكة الوطنية، وانتشرت في فضائنا اللغوي والثقافي مفردات جديدة وضاءة مجلوة من نوع التعايش والتسامح لكم دينكم ولي دين تعالوا إلى كلمة سواء.. وعن جميع هذا تمخض مركز الملك عبدالله لحوار الأديان.. في صيغته العالمية.. بالطبع أنا أتكلم الآن من مقعد الشجن والنستولجيا والذي يجعلني أرى المشهد مصفى من العقبات والسدود.. ولكنه لم يكن دوماً كذلك.. ومابرحنا نحن بحاجة إلى المزيد من غيث الحوار والتعايش والقبول ليصب في أرضنا التي لطالما اكتسحتها عواصف العنف واللون الأحادي. رحم الله عبدالله بن عبدالعزيز.. رجل صنع التاريخ ولم يصانعه. لمراسلة الكاتب: oalkhamis@alriyadh.net

مشاركة :