يذهب محللون إلى أن كتاب «إدارة التوحش» مرجع للتنظيمات الإرهابية ومنهج استراتيجيتها في الثورية والخروج على النظام واستباحة دماء المسالمين من المواطنين مدنيين وعسكريين، ويرى متخصصون في دراسة الجماعات المتطرفة أن هناك تلازما كبيرا بين أطروحات منظري القاعدة وبين كتاب «إدارة التوحش» لمؤلفه أبو بكر ناجي الذي اتخذ من هذا الاسم الحركي غطاء لإخفاء حقيقة اسمه وجنسيته فيما يرجح البعض أنه منسق الشؤون الأمنية والاستخباراتية في تنظيم القاعدة، ويذهب آخرون أن الكتاب تأليف وجمع أكثر من شخص. يصف الكتاب الذي صدر مطلع الألفية الجديدة المرحلة الحالية بأنها «أخطر مرحلة ستمر بها الأمة، وأن العالم يعيش مرحلة الفناء الحضاري، كون الانحلال الأخلاقي والفساد وصل ذروة مراحله منذ الحرب العالمية الأولى وسقوط الخلافة العثمانية»، ونادى الكتاب بضرورة المواجهة العسكرية مع الغرب وضرب المصالح الاقتصادية ومصالح الشركات البترولية لإرباك العدو متمثلا في الدول العربية، والأنظمة بصفة خاصة، يقول المؤلف في مقدمة الكتاب (كتبت في موضوع سابق عن قدر الإعداد المادي الذي قام به ذلك الفصيل من فصائل العمل الإسلامي الذي نحسبه قائم، بأمر الله في هذا الزمن والذي نحسبه سيتنزل عليه النصر بإذن الله، كون المشروع الذي يطرحه ذلك الفصيل سبيل خروج الأمة مما هي فيه من الهوان لتعود لقيادة البشرية للهداية وإلى طريق النجاة). وفي هذا المدخل إشارات إلى قضايا الإعداد المادي، وهذا ظهر بجلاء، فعندما تقبض الدولة على جماعات تكفيرية وإرهابية تجد بحوزتهم أموالا وأسلحة تثير الكثير من الأسئلة حول مصادرها، وزمن جمعها، إضافة إلى تنوع العملات ما يثير شبهة احتواء جهات خارجية لهذه الجماعات وتوظيفها لخدمة أغراض سياسية. ومنذ أن طرح المستشرق البريطاني برنارد هنري لويس عام 1983 مصطلح الشرق الأوسط الجديد وملامح منطقتنا العربية في تغير مستمر على مستوى الأحداث والقيادات والأفكار والتوجهات. لويس مؤرخ من أصول يهودية، صهيوني النزعة وتخصص في الدراسات الشرقية والأفريقية وتعمق في دراسة التاريخ العربي والإسلامي كما استعان بعلماء نفس وعلماء اجتماع لدراسة خصائص النفس البشرية العربية. وبحكم الانتماء الوثيق بإسرائيل كان ممن أسس بقراءاته لإعادة تقسيم الشرق الأوسط، وإحلال شرق أوسط جديد مكانه، كون اتفاقية سايكس بيكو راعت المصالح البريطانية والفرنسية، على حساب المصالح الأمريكية. وحسب رأي صحيفة «وول ستريت الأمريكية»، فإن مشروع برنارد لويس يعتبر أخطر مخطط طرح في القرن العشرين، لتفتيت الشرق الأوسط لأكثر من ثلاثين دويلة إثنية ومذهبية. ولم يبتعد كتاب «إدارة التوحش» كثيرا عن مشروع لويس، ما يثير سؤالا أكبر عن التقاطع الكبير بين فكر القاعدة وبين رؤى متطرفي الصهيونية العالمية الحاقدين على العرب والمسلمين. ويذهب أبو بكر ناجي إلى أن بقية الفصائل «الجهادية والحركية» عدا القاعدة (مدعاة لإصابة الشباب الإسلامي بالحيرة، وكثير من الشباب اختار هذا الطريق أو ذاك بناء على أنه وافق ما يميل إليه من العمل أو الهوى والراحة). ويرى أن تنظيم القاعدة أقرب إلى تحقيق مراد الله كونه قائما على نصوص شرعية قطعية، إذ يقول في المقدمة (إن البعض أصابته الحيرة من تعدد المشاريع لحل قضية حسمت حلها النصوص الشرعية في أعين النابهين). ويضيف (أن من كل تيارات الحركة الإسلامية لم تضع مشاريع مكتوبة إلا خمسة تيارات، إذ بعد إخراج تيار التبليغ والدعوة وتيار سلفية التصفية والتربية «السلفية الصوفية» وتيار سلفية ولاة الأمر وغيرهم سنجد أن التيارات التي وضعت مشاريع مكتوبة وتصلح للنقاش) كما يرى. وعد ناجي تيار السلفية الجهادية، وسلفية الصحوة، وتيار الإخوان المسلمين (الحركة الأم.. التنظيم الدولي) وتيار (إخوان الترابي) وتيار الجهاد الشعبي مثل حركة حماس وجبهة تحرير مورو وغيرها). ويؤكد أن مشروع سلفية الصحوة خاصة في صيغته الأخيرة القائمة على منهج إنشاء المؤسسات فيشابه مشروع حركة الإخوان (التنظيم الدولي) إلى حد كبير يصل إلى التطابق في بعض فقراته، إلا أنه لا يمكن أن يتجاوز مراحله الأولى حتى بعد مرور آلاف السنين. ونقد ناجي تيار الإخوان ومشروعهم الذي يصفه بالعفن كونهم يطرحونه على الورق نظريا لينفذوا من خلاله مشروعهم البدعي «يمرروا مشروعهم العفن على القواعد التحتية من الشباب من خلال المنهج النظري المكتوب والشعارات البراقة» مع رفعهم شعار (الجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا). ويزكي الكتاب الجهادية السلفية التي تعزز حضور وتزكية تنظيم القاعدة ويحاول أن يكون موضوعيا عند الحديث عن تطبيقهم للمنهج. كتاب إدارة التوحش خطير جدا لأنه أدلج الفكر المتطرف معتمدا على نصوص قابلة للتأويل وممكنة القراءة المتجددة برغم أن آلية استثارة مشاعر الناس خصوصا الشباب وضم أكبر عدد ممكن من المؤيدين عن طريق ما أسموه بالاستقطاب لجر الشعوب إلى المعركة). ويقسم المجتمع إلى ثلاث فرق (فريق منهم إلى جانب أهل الحق وفريق إلى جانب أهل الباطل، ويتبقى فريق ثالث محايد ينتظر نتيجة المعركة لينضم للمنتصر، وعلينا جذب تعاطف هذا الفريق وجعله يتمنى انتصار أهل الإيمان، خاصة أنه قد يكون لهذا الفريق دور حاسم في المراحل الأخيرة من المعركة الحالية). ويتبنى الكتاب النزعة الثورية لشحن الشباب من خلال تأصيل مفهوم حرب الشعب الطويلة المدى، ومدح منهج المليشيات وحروبها القائمة على آلية إنهاك العدو عبر تكتيك أضرب وتراجع ثم أضرب وتمكن ثم أضرب وتقدم. وسعى أبو بكر ناجي إلى إعلاء شأن المقاومة من خلال خطاب عاطفي تبناه قبله (ماوتسي تونغ) و(تشي غيفارا). وقسم كتاب إدارة التوحش المراحل اللازمة لتمكين القاعدة وما فرخته من جمعات إلى مرحلة النكاية والإنهاك، ثم مرحلة التوحش المتطابقة في فكرتها مع فكرة (الفوضى الخلاقة). ويرى أنه بحسن استغلال فترة الفوضى الخلاقة أو التوحش يمكن السيطرة على عقول الناس واستعطافهم بلين القول والحديث عن الكرامات والانتصارات والبطولات التي تستثير الشباب ليمكن بعدها الوصول إلى المرحلة الثالثة، وهي إقامة الخلافة، ولا يتورع الكتاب عن وصف الحكومات بالكفر كما نص عليه (ولا يعني هذا المزيد من التوحش الذي قد ينتج عن الإخفاق أنه أسوأ مما هو عليه الوضع الآن أو من قبل في التسعينيات وما قبله من العقود بل إن أفحش درجات التوحش أخف من الاستقرار تحت نظام الكفر بدرجات). ولا يتردد الكتاب في الإيحاء للناس بأنهم سيمرون بأوقات عصيبة إلا أن عليهم التحمل والثقة في التنظيمات الجهادية كما يصفها كونها المنقذة مما ستمر به المنطقة من التوحش قبل خضوعها للإدارة، إذ ربما تكون في وضع يشبه وضع أفغانستان قبل سيطرة طالبان، وتخضع لقانون الغاب بصورته البدائية، ويتعطش أهلها الأخيار منهم بل وعقلاء الأشرار لمن يدير هذا التوحش، بل ويقبلون أن يدير هذا التوحش أي تنظيم أخيارا كانوا أو أشرارا إلا أن إدارة الأشرار لهذا التوحش من الممكن أن تحول هذه المنطقة إلى مزيد من التوحش. .. ويحرض على استمرار العمليات الإرهابية في مبحث العمل الميداني في كتاب «إدارة التوحش» طالب المؤلف الإرهابي بإنهاك قوات العدو والأنظمة العميلة لها، وتشتيت جهودها، والعمل على جعلها لا تستطيع أن تلتقط أنفاسها بعمليات وإن كانت صغيرة الحجم أو الأثر ولو ضربة عصا على رأس صليبي إلا أن انتشارها وتصاعدها سيكون له تأثير على المدى الطويل وجذب شباب جدد للعمل الجهادي عن طريق القيام، بين فترة وأخرى، بعمليات نوعية تلفت أنظار الناس، ويقصد بالعمليات النوعية هنا، العمليات النوعية المتوسطة على غرار عملية بالي، وعملية المحيا، وعملية جربة بتونس، وعمليات تركيا، والعمليات الكبرى في العراق، والاستغناء عن عمليات نوعية على غرار سبتمبر، كونها «تؤدي إلى شغل التفكير بها وتعطيل القيام بالعمليات النوعية الأقل منها حجما». ويندد الكتاب بما تبثه وسائل الإعلام من شعارات (الحفاظ على النسيج الوطني أو اللحمة الوطنية أو الوحدة الوطنية، كون هذا القول فيه شبهة الوطنية الكافرة). ويذهب الكاتب إلى أن عملية اختيار المناطق للدخول إلى دائرة المناطق الرئيسية أي المرور عبر مرحلة إدارة التوحش اعتمدت على دراسات وبحوث مرتبطة بالأحداث الجارية بعد أحداث (11سبتمبر) وما تلاها من تطورات، كون «القيادة» أدخلت بعض التعديلات، فاستبعدت بعض المناطق من مجموعة المناطق الرئيسية، على أن يتم ضمها لتعمل في نظام بقية الدول، وأدخلت بلدين أو قل منطقتين إضافيتين هما (بلاد الحرمين ونيجيريا)، ويرى أن بلدان مثل «الأردن وبلاد المغرب ونيجيريا وباكستان وبلاد الحرمين واليمن مؤهلة لإدارة التوحش لوجود عمق جغرافي وتضاريس تسمح في كل دولة على حدة بإقامة مناطق بها تدار بنظام إدارة التوحش لوجود مد إسلامي مبشر في هذه المناطق.». .. والعنف والدمار ضمانة لديمومة الإرهابيين يؤكد المؤلف على أن العمل العسكري هام جدا في استمرارية الحركات الإسلامية الجهادية وبقائها، ولكن هذا الأمر لا يغنى عن العمل السياسي، ولهذا يطالب قيادات هذه الحركات بإتقان علم السياسة كإتقان العلم العسكري سواء بسواء. ويشير الكتاب إلى أن «جر الشعوب إلى المعركة يتطلب مزيدا من الأعمال التي تشعل المواجهة، والتي تجعل الناس تدخل المعركة شاءت أم أبت، بحيث يؤوب كل فرد إلى الجانب الذي يستحق، وعلينا أن نجعل هذه المعركة شديدة، بحيث يكون الموت أقرب شيء إلى النفوس، بحيث يدرك الفريقان أن خوض هذه المعركة يؤدي في الغالب إلى الموت فيكون ذلك دافعا قوياً لأن يختار الفرد القتال في صف أهل الحق ليموت على خير أفضل له من أن يموت على باطل ويخسر الدنيا والآخرة، وهذه كانت سياسة القتال عند الأوائل». ويرسم الكتاب عبر فصوله للعناصر الضالة خريطة طريق لإدارة الفوضى المتوحشة التي يسعى المجاهدون لتحقيقها، من خلال الاعتماد على فريقين للقيام بتفاصيل الإستراتيجية، أحدهما فريق يختص بالجانب النظري أو الفنون بحسب وصفه، وآخر يمثل القيادات التي تدير الصراع في مناطق إدارة التوحش كأفغانستان والعراق، ويرى مؤلف أو مؤلفو الكتاب أن البلدان الإسلامية هي أرض حرب ضد الغرب وضد الحكومات فيها. وبقراءة متفحصة للكتاب نجد أن نظرياته تتمثل للعيان في التحولات الإستراتيجية التي شهدتها الحركة السلفية الجهادية باعتمادها مقاتلة العدو القريب (النظم السياسية العربية والإسلامية) التي تنعتها بالمرتدة، بدلا من مقاتلة العدو البعيد المتمثل في الغرب عموماً والولايات المتحدة الأمريكية. ويشدد أبو بكر ناجي في كتابه على أنه «يتعين على المجاهدين إن هم سيطروا على منطقة ما أن يقيموا فيها إمارة لتطبق الشرع وترعى مصالح الناس فيها من طعام وعلاج، في حين تتولى القيادة العليا (المركزية) التنسيق بين تلك المناطق وترتيب الأولويات». ويؤمل الكاتب في كتابه أن تكتسب القاعدة مكامن آمنة مثلما اكتسبت في (باكستان، العراق، والصومال وسوريا ومالي)، ومن عناوين فصول الكتاب (التوحش بين الماضي والحاضر، والبعد العسكري في إدارة التوحش، وقواعد ووصايا، وتحقيق الشوكة، مستقبل المشروع بين الأنا والآخر). باحث: تراجع «التنوير» وغياب «المدنية» ينميان التطرف عزا الكتاب الدكتور عبدالرحمن الوابلي نمو حركات التطرف إلى تراجع مشروع التنوير والمؤسسة المدنية وتزكية المتطرفين من بعض الدعاة حسني النوايا. وعد الوابلي إشكالية الحركات المتطرفة أكبر إشكالية في القرن الحالي كونها تنطلق من مسلمات جاهزة وارتدائها لبوسا ضيقة، مؤكدا أن الحركات المتطرفة والإرهابية تعتمد على مبررات تاريخية منها خلاف الصحابة وقتل المرتدين وما نعي الزكاة وقتل عثمان وعلي والخلاف بينه وبين معاوية، ما يوجب تنقية كتب التراث من قضايا تسبب أزمات معاصرة والتوجه نحو القراءة المدنية للنصوص، داعيا الآباء والأمهات والمؤسسات التعليمية وواضعي المناهج والمقررات الدراسية الحذر من تأسيس بنية تحتية للتطرف من خلال تزكية الشكل على حساب المضمون وإعلاء شأن المظهر على حساب الجوهر. ويرى الباحث الأردني الدكتور جمال الشلبي أن استعادة كتاب «إدارة التوحش» في هذا التوقيت ضروري كونه سلط الضوء على الإسلام الحركي من منطلق ثوري من خلال اجتهاد ديني يضاف إلى الاجتهادات المتنوعة التي جاءت بها الحركات الجهادية الإسلامية في العقود الثلاثة الأخيرة. ويعتقد أن الكتاب لا يداري ولا يأخذ بالأحكام الوسطية، بل يقرر قولا قاطعا وحقائق نهائية، وينبذ المواقف المغايرة لوجهة نظره نبذا كاملا، إضافة إلى جمعه بين التصورات الدينية والأفكار الثورية، إن صح التعبير، ذلك أنه يقدم في مجال العمل السياسي والإستراتيجية العسكرية تصورات عملية، يمكن أن تأخذ بها القوى الإسلامية الأصولية، وقوى أخرى غير إسلامية.
مشاركة :