لماذا يكره السعوديون بنوكهم؟

  • 12/3/2018
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

«حب مغلف بالكراهية».. هذه هي علاقة السعوديين بالبنوك منذ بدايتها وحتى اليوم، علاقة قائمة على المنفعة وبنظرة الريبة والشك، وأحياناً بالاتهام، ومع أن البنوك السعودية تعمل على أسس ومفاهيم عالمية ووفق معايير تتوافق مع المجتمع السعودي، إلا أن نظرة المجتمع السعودي في السابق كانت تقوم على أنه مثل كل بنوك العالم أنشطته ربوية ويدخل في تعاملات مصرفية يحصل منها على فوائد عالية، وكان ينظر إليها من زاويته المحدودة، فهو مثلاً كان لا يزوج بناته لموظف يعمل في بنك، وإذا حضر موظف البنك مجلساً وعلموا أنه يعمل في بنك أشاروا له بالهداية وأن يجد عملاً آخر مباركاً، وجاءت فترة على البنوك في السعودية عانت من هروب الموظفين منها، على رغم المميزات التي كانت تدفعها ومجالات التدريب والتأهيل وأيضاً الابتعاث، ولكن نظرة المجتمع القاصرة كانت تحد من التقدم لوظيفة في البنك، ووصل الأمر ببعض أفراد المجتمع أنه إذا أصاب أحدهم مرض أو أصاب أهله ضرر قالوا إن الله عاقبه، وبدلاً من علاجه يقترحون عليه أن يترك عمله في البنك. طبعاً وقتها كان تيار متشدد يسيطر على المجتمع وهو الذي يحرك البوصلة، فضلاً عن بعض المعتقدات والأفكار الخاطئة، وأيضاً عدم وضوح دور وأهمية المصارف والأعمال التي تقوم بها، كل هذا أسهم في ضبابية الرؤية لدى المجتمع عن البنوك وأهميتها، وبعد أن توسعت أعمال الأفراد والشركات والمؤسسات، واتضحت أعمال البنوك وأصبح ضرورياً التعامل مع البنوك، لكونها تكشف عن المتلاعبين في غسل الأموال والمشبوهة، كما أن البنوك أسهمت في إدارة محافظ الكثير من المستثمرين وشجعتهم على الادخار والتوفير، ودخلت بشكل مباشر في خدمة المجتمع، فضلاً عن أنها المكان الآمن لحفظ الأموال والأشياء الثمينة، وكذلك استحداث البنوك العديد من المنتجات والخدمات وظهرت أنواع مختلفة من البنوك مثل: بنوك التنمية، الخدمات، الودائع، وكالة ائتمان الصادرات، الاستثمار، التنمية الصناعية، الاجتماعية، الخدمات الخاصة، التوفير والادخار، وبنوك اوف شير، إلى جانب دخول البنوك والمصارف السعودية في التنمية الاقتصادية، فهي تعمل على تنمية أنواع متعددة من الأوعية الاستثمارية، كما يصدر الضمانات الابتدائية والنهائية لقطاعات الإنتاج والمقاولين وأصحاب المشاريع وغيرها من المؤسسات التي لها دور أساس في مشروعات التنمية، وتساعد قطاعات الأعمال في تقويم المشروعات وتجنبها الوقوع في المخاطر الناجمة عن سوء التقدير وتمكّنها من الحصول على أفضل البدائل التمويلية، فالبنوك اليوم تجمع المدخرات وتتيح لصغار المدخرين فرصاً لاستثمار مدخراتهم القليلة في أوعية مأمونة، فضلاً عن أعمالها الاجتماعية وغيرها من الخدمات. مع كل هذه الخدمات التي تقدمها البنوك والمصارف السعودية، لا يزال الناس حينما تأتي سيرة البنوك يقابلوها باستهجان وتذمر وعدم رضا، لأنهم يرون أن البنوك كانت سبباً في خراب بيوتهم وضياع ثرواتهم، كما أنها تحقق أرباحاً عالية، ومع ذلك إسهاماتها تجاه المجتمع ضعيفة. قبل أسبوعين حضرت ديوانية البنوك السعودية التي عقدت هذه المرة في جدة، حضرها مسؤولون في بنك الإنماء وبنك البلاد مع نخبة من الكتاب والإعلامين والصحافيين الاقتصاديين، الجلسة عقدت في فندق الهيلتون، ونظمتها لجنة الإعلام والتوعية المصرفية في البنوك السعودية، جل الحديث من قبل الحاضرين انصبّ حول دور البنوك تجاه المسؤولية الاجتماعية، إذ إن دورها ضعيف على رغم الأرباح التي تحققها، وبحسب التقارير المنشورة، ارتفعت الأرباح المجمعة للبنوك العاملة بالسعودية خلال النصف الأول من 2018 بنسبة 3 في المئة لتبلغ نحو أربعة بليونات و160 مليون ريال، مقارنة بأرباح الفترة نفسها من عام 2017، والتي بلغت آنذاك نحو أربعة بليونات وخمس ملايين ريال، وذلك وفقاً للنشرة الإحصائية الشهرية لمؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) لشهر أكتوبر 2018، وحينما تتحدث عن إسهام البنوك تسمع مشاركات خجولة وغير معلنة للبنوك، قبل أن تبدأ الديوانية قال الكاتب الصحافي بسام فتيني في مجموعة كانت تضم بعضاً من الزملاء في لجنة الإعلام والتوعية المصرفية، إنه قبل أيام قاد أحد المشاهير في «تويتر» حملة لجمع 100 كرسي للمعوقين، وقيمة هذا الكرسي نحو أربعة آلاف ريال وقد تفاعلت الكثير من الجهات وأهل الخير، حتى تجاوزت التبرعات أكثر من 100 كرسي (العدد المطلوب)، إلا أنه ليس من بينها أي بنك محلي أو البنوك الأجنبية، مع أن الحملة تهم شريحة عزيزة علينا، وتساءل فتيني: لماذا لم تسهم البنوك في هذه الحملة، ولم تبادر للمشاركة؟ بالطبع لم نستمع إلى إجابة مقنعة، وحينما بدأت الديوانية كانت أكثر التساؤلات من الحاضرين والحاضرات، عن إسهام البنوك وأين تشارك، وكم المبلغ الذي تخصصه لأعمال المجتمع. البعض تساءل: لماذا لا تشارك البنوك مع الدولة في تحمل نفقات المنح الدراسية والابتعاث الخارجي للطلاب والطالبات أو المنح الداخلية؟ بحيث تجتمع البنوك وتخصص مثلاً بليون ريال لإسهاماتها في المنح الدراسية، وأخرى إسهام في بناء منازل لذوي الدخل المحدود بأسعار مخفضة، أو تخصص جزءاً آخر لمساعدة أسر السجناء والمعسرين، وتخفف من المتعثرين عن السداد للبنوك، ونحن نقصد المتعثرين عن السداد لبعض الظروف التي يمرون بها. إسهامات البنوك الاجتماعية في السعودية خجولة وضعيفة، ويدافع القائمون عليها بقوة، ويرون أن البنوك تسهم بشكل مُرضٍ ومقنع، إذ إنها تخصص واحداً في المئة من أرباحها لبرامج المسؤولية الاجتماعية، إلا أن الناس يتحدثون بامتعاض عندما يكون الموضوع متعلقاً بإسهامات البنوك الاجتماعية، وأن هذه المشاركات ضعيفة، وهكذا يستمر المجتمع في نظرته للبنوك والمصارف منذ بدايته حتى الآن، لا شيء يقنع المجتمع حتى يرى بعينه دور البنوك وعملاً مجتمعياً مفيداً ومقنعاً، وليس صرف الفتات على مشروعات خيرية أو مسؤولية اجتماعية تعتبر ضمن برامج التسويق والدعاية للمصارف وليس ضمن الأعمال المجتمعية، ويبقى الجدال مفتوحاً ومشرعاً إلى أن يقتنع المجتمع.

مشاركة :