كُرهُ الناس للأسهم يتمثل في عدم محبتهم لها، وعدم الإقبال على شرائها من سوق الأسهم واقتنائها في محافظهم، ومازال هذا السؤال الذي احتواه العنوان يتردد كثيراً، بل وفي كثير من البيوت وأروقة المجالس ومواقع الإنترنت بمختلف أنواعها وتطبيقات التراسل الفوري للهواتف الذكية، وذلك بعد فترة طويلة تمتد الى نحو 10 سنوات في أعقاب ضياع مدخرات وأموال الكثيرين في سوق الأسهم جراء الانهيار الكبير لعام 2006م. فالفقدان آنذاك لم يقتصر على الأموال والمدخرات فقط، بل امتد الى الأصول الثابتة والمنقولة التي كانت في حوزة كل من تهور وقام بتحويلها الى سيولة وزج بها في الأسهم، من مساكن وأراض وممتلكات لدورٍ مؤجرة وسيارات ومعدات وبيع لأنشطة تجارية كانت قائمة. ما يُستحب ذكره والتذكير به لكل أولئك المبتعدين، أنه بعد تلك الفترة الزمنية، وتلك المعاناة، فإن سوق الأسهم السعودية تطورت الى الأفضل تنظيمياً وتقنياً، ولست بحاجة الى التفصيل، لأنه بالتأكيد هناك من واكبوا كل تفاصيل تطورها، لا سيما العمل المؤسسي الذي بات حسب ما استجد من تصنيف للسلوك الاستثماري يسيطر على 6ر20 بالمئة، بعد أن كان قبل عام 2006م يسيطر على نسبة ضئيلة تقدر بنحو 3 بالمئة، وانخفضت نسبة المستثمر غير المؤسسي»الأفراد» الى 4ر79 بالمئة بعد أن كان بنحو97بالمئة، وهو ما يعني انخفاضاً في حدة تذبذباتها، حيث تقف الأسعار الآن على مستويات جذابة لكثير من أسهم الشركات ذات المؤشرات المالية المغرية والتوزيعات النقدية، ويقترب بعضها من القيمة الدفترية، ومكررالسوق تراجع الى 5ر14 والمتوسط العام للقيمة الدفترية لجميع شركات السوق تراجعت الى 68ر18 ريالا ؛إذاً لماذا لا يقبل السعوديون على سوق الأسهم؟ ولماذا يتحفظ الكثير منهم حول الاستثمار فيه؟ ولماذا تمتنع شرائح كبيرة من المواطنين سواء على مستوى الأفراد أو على مستوى التجار والمجموعات التجارية من الاستثمار في السوق في ظل هذه المستويات المغرية؟ لا أقف هنا مؤيداً لاستمرار المخاوف من قبل الشرائح المبتعدة عن السوق والمتحفظة حول الاستثمار فيه عطفاً على تلك الأرقام الجذابة من مكررات الأسعار الى العوائد، وانخفاض القِيَم الدفترية، وارتفاع جدوى نسبة التوزيع بالنسبة الى الأسعار الحالية، وذلك لمن يريد أن يستثمر على المدى الطويل، لكن في ذات الوقت فإن لتلك المخاوف مايبررها، ويُعذَر كل من اقتنع بأن سوق الأسهم لا تناسبه؛ حيث ترى فئات كثيرة أنها لا تناسبها من نواحٍ كثيرة سواء كانت شخصية أو مهنية أو صحية أو نفسية أو غيرها، وفئات أخرى اكتفت بأخذ العِبَر بما تلقته من خسائر ودروس من الماضي، لأن التجربة المريرة التي عاشوها عندما اندفعوا أفراداً وجماعات في تلك الفترة أغنتهم عن كل التجارب، واُعتُبِرت على أنها من أهم المقاييس في الإقبال أو الإدبار. حقيقة، لا أتفق مع من يرى أن هناك ضرورة لدخول المواطنين لسوق الأسهم أو حتى نسبة 70 بالمئة من إجمالي عدد السكان أو60 بالمئة أو 50 بالمئة أو 45 بالمئة أو حتى أقل من تلك النسب، ولا يمكن بالضرورة أخذ ذلك الحكم على أنه يمثل نقصاً في كفاءة السوق المالية أو عجزاً في استقطابهم، وبأنها غير جاذبة لتلك النسب الكبيرة من الأفراد، بل عندما لا يقبل غالبية السعوديين على سوق الأسهم، فهذا هو الأمر الطبيعي، وتُسجل كَمِيزَة للسوق المالية، ففي كثير من دول العالم لا تكون أسواق المال مصممة لغالبية السكان، بل لا تجد إلا نسبة محددة من إجمالي السكان من يتاجر في البورصات، وكل منهمك في تخصصه ومهنته وعلمه وتجارته وزراعته وصناعته، وبذلك أضافوا الى الناتج المحلي الإجمالي والى اقتصادات بلدانهم، ولو أقبلت النسب الكبرى من السكان على بورصات بلدانهم لانهارت فوق رؤوسهم، وذلك لأن تجارة الأسهم كسائر أنواع التجارة الأخرى، لها روحها وبريقها لدى روادها، ولها خصائصها وتخصصها، ولها تجارها ومتعاملوها. الكل يتذكر حين اندفعت نسبة كبيرة من السعوديين على سوق الأسهم قبل 10 أعوام، فقد أدى اندفاعها الذي يفوق الوصف الى تضخم فقاعة أسعار الأسهم ومن ثم انفجارها، وأجزم هنا.. أنهم لو عادوا بنفس درجة الاندفاع التي ذكرت وبنفس النسبة المرتفعة السابقة من المتداولين وقابله نفس النَهَم التمويلي من البنوك، فلن يبتعد مصيرها عن المصير السابق مالم يكن هناك وعي استثماري مرتفع وتغير في السلوك الاستثماري والطِبَاع والسياسات المعاكسة في الشراء والبيع.
مشاركة :