ترجّح الكثير من الدراسات والتقارير أن قطاع العقارات البريطاني، الذي واصل النموّ على مدى عقود، حتى في أوقات الأزمات العالمية، يتجه لتوديع عصره الذهبي والدخول في نفق طويل من التراجع، لا تقتصر أسبابه على أزمة البريكست. لندن - تحظى العقارات بمكانة فريدة بالنسبة لكثير من المستثمرين، الذين لا يميلون للمغامرة في أسواق المال، لأنها شيء ملموس على الأرض ولا يمكن أن يتبخر بين يوم وآخر، رغم أنها تواجه أحيانا بعض الصدمات والأزمات في الكثير من بلدان العالم. وتكاد العقارات البريطانية تكون حالة فريدة في استمرار ارتفاع أسعارها على مدى عقود، وخاصة في بعض المناطق مثل العاصمة لندن، حيث لم تتمكن حتى الأزمة المالية العالمية قبل 10 سنوات من كبح نموّها المتواصل. وتبدو أسعار العقارات البريطانية صامدة حتى الآن عند تقييمها بالجنيه الإسترليني، لكن تقييمها بعملات أخرى يظهر أنها تراجعت بأكثر من 20 بالمئة في انعكاس لتراجع العملة البريطانية بنسبة مماثلة منذ استفتاء الانفصال عن الاتحاد الأوروبي في يونيو 2016. ويبدو من المستبعد أن يعود الجنيه الإسترليني إلى ما كان عليه حتى إذا تم التراجع عن البريكست. وتكاد آراء المحللين تجمع اليوم على أن فترة الازدهار، التي تسارعت بقوة منذ منتصف عقد التسعينات بدأت بالتلاشي، بل إنها تلاشت بالفعل. وترجح أن تدخل نفقا طويلا من التراجع لأسباب لا تتعلق فقط بورطة البريكست. وتشير أحدث دراسة أجراها مصرف دويتشه بنك إلى أن أسعار المساكن سريعة الارتفاع في بريطانيا ظاهرة حديثة نسبيا. فقد ارتفعت في المتوسط بنسبة 3 بالمئة سنويا باستبعاد التضخم منذ عام 1939 أي بما مجموعه 834 بالمئة. وتؤكد أنها تراجعت قبل ذلك بنسبة 50 بالمئة بالأرقام المعدّلة وفقا للتضخم خلال القرون السبعة السابقة، رغم أن تلك البيانات تستند إلى كثير من الافتراضات ومن الصعب أن تكون دقيقة بدرجة كبيرة. ورغم أن نموّ أسعار العقارات البريطانية يكاد يفوق معظم الدول المتقدمة إلا أنه يرتبط ببعض الظواهر العالمية، مثل تضاعف سكان العالم أكثر من 3 مرات خلال منذ عام 1950 ليقفز من 2.5 مليار نسمة إلى نحو 7.67 مليار بحسب ساعة النمو السكاني العالمية أمس. ويبدو أن نموّ حجم الأموال في العالم منذ نهاية ارتباط العملات بقاعدة الذهب قبل 50 عاما هو أحد العوامل الحاسمة، حيث سمح للحكومات والبنوك المركزية بطباعة النقود وتغيير أسعار الفائدة كما تشاء. وتشير البيانات إلى أن أقساط القروض العقارية لشراء المساكن انخفضت بشكل كبيرة بعد الأزمة المالية العالمية رغم ارتفاع أسعار العقارات، بسبب انخفاض أسعار الفائدة، الذي أبقى تكلفة القروض العقارية في متناول الكثيرين. الخاسرون من ارتفاع أسعار العقارات ما عادوا قادرين على تحمل وطأتها والحكومة أصبحت تقف الآن إلى جانبهم وتتساءل الكاتبة في صحيفة فايننشال تايمز البريطانية ميرين سمرست ويب؛ عما إذا كانت مرحلة السبعين سنة الماضية قد انتهت وأن العقارات البريطانية ستدخل في مرحلة متواصلة من انخفاض أسعار المساكن؟ وتجيب بنعم. وتضيف أن الارتفاع السريع في أسعار المساكن في بريطانيا أوجد فئة من الفائزين وأخرى من الخاسرين، الذين لم يعد بوسعهم تحمل وطأة ارتفاع الأسعار. وأضافت أن الحكومة التي تعاني ضائقة مالية أصبحت تقف الآن إلى جانبهم. وأصبحت التعديلات التي تجريها الحكومة على القوانين تطارد مشتري المسكن الثاني من خلال زيادة ضرائب البلديات ودخول رسوم إضافية حيّز التنفيذ مثل إضافة 3 بالمئة أخرى إلى رسوم الدمغة عند إتمام صفقة شراء العقارات. كما يواجه المستثمرون الذين يشترون من أجل التأجير ضرائب كبيرة على مداخيل الإيجارات وتعزيز حقوق المستأجرين ومتطلبات صارمة لإثبات قدراتهم على السداد عند ترتيب القروض العقارية، إضافة إلى مجموعة كبيرة من قواعد كفاءة الطاقة وقوانين الترخيص الجديدة. وأصبحوا ملزمين بدفع ضريبة على مكاسب رأس المال بنسبة 28 بالمئة عند بيع عقاراتهم، إضافة إلى نسبة 20 بالمئة على كل شيء آخر. وتتصاعد دعوات لفرض ضرائب جديدة على الثروة على جميع العقارات في المملكة المتحدة وزيادات حادة في ضرائب البلدية على الشريحة العليا من العقارات. وتظهر جميع الأحزاب الأربعة الرئيسة في بريطانيا اهتماما كبيرا بفرض ضرائب على قيمة الأراضي وإلغاء الإعفاءات الضريبية القليلة المتبقية لأصحاب العقارات. وحملت الموازنة الأخيرة المزيد من الأنباء السيئة حيث تم تخفيض إعفاءات ضريبة مكاسب رأس المال على المساكن، التي كانت في ما مضى مساكن رئيسة، وفرض ضريبة إضافية بنسبة 1 بالمئة على المقيمين غير البريطانيين، الذين يشترون عقارات في المملكة المتحدة. وتشير البيانات إلى أن أسعار المساكن والشقق الممتازة في لندن تراجعت بنسب تتراوح بين 25 إلى 30 بالمئة عن ذروتها قبل عدة أعوام. وترجّح معظم التقديرات ركود متوسط أسعار جميع العقارات البريطانية أو نموّها بنسب ضئيلة تقلّ عن مستوى التضخم. وتؤكد البيانات أن انتهاء فترة الازدهار الطويلة في أسعار العقارات تلاشت بالفعل، وهي ترجّح عملية تصحيح قد تكون طويلة جدا، خاصة في ظل عدم اليقين بشأن البريكست، الذي من المستبعد أن تنقشع غيومه خلال وقت قريب.
مشاركة :