تطاوين (تونس) - مشاهد الخراب البادية على جانب من قصر حدادة بغمراسن من ولاية (محافظة) تطاوين، الذي ذاع صيته عالميا بعد أن تم فيه سنة 1997 تصوير الجزء الأول من فيلم حرب النجوم للمخرج الأميركي جورج لوكاس، تبعث الأسى في نفس كل زائر لهذه التحفة المعمارية العريقة التي بدأت تفقد بريقها شيئا فشيئا بفعل الإهمال الذي يطالها. هذا القصر، وتحديدا الجزء الذي لا يزال متماسكا، والذي تستغله شركة سياحية خاصة، مازال قبلة للسياح والزائرين الذين تسحرهم بوابته التي يعود تاريخها إلى أواخر القرن التاسع عشر، وتستهويهم مداخله وغرفه العديدة والمتشابكة والمترابطة وعددها لا يقل عن 567 غرفة، والتي تفصلها متاهات تمتد على مساحة 6400 متر مربع. وتهدّمت العديد من الغرف في هذا القصر، وسقطت أسقفها وأقواسها ومدارجها، وكشفت متاهاتها، وأصبحت خرابا لا صلة له لا بالتاريخ ولا بالعمارة القديمة والجميلة. وحذّر علي الثابتي، الباحث في الآثار والتراث، من تواصل هذه الوضعية التي قد تؤدي إلى خراب غرف أخرى قد تصعّب عملية ترميمها من جديد، أمام صعوبة الحصول على مواد الجبس بالطريقة التقليدية المعتمدة في العصور القديمة. وأشار الثابتي إلى تهدم أكثر من 50 غرفة حفرية بقصر حدادة، خلال السنوات الأخيرة، دون حصول أي تدخل من الحكومة لمعالجة المشكلة، ودعا السلطات المعنية إلى لفتة عاجلة، خاصة وأن هذا القصر يحتاج عمليات ترميم مكلفة. وأضاف أن قصر حدادة مقسم إلى جزأين، جزء مستغل من قبل شركة سياحية، وكان في السابق صالحا للسكن، لكنه أصبح الآن مزارا فقط، فيما ظل الجزء الثاني مهملا، ولم يرصد له التمويل الكافي لإجراء عمليات الترميم والصيانة. وأكد أن السعي إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه هو مسؤولية المجتمع المدني والهياكل الرسمية، وأبناء المنطقة المتشبثين بتراثهم كرمز للهوية في تلك الربوع. وتحولت الحصى والحجارة وجذوع النخيل والتربة الرملية التي خلطها البربر قبل الآلاف من السنين لتشييد الغرف والصوامع لتخزين الحبوب والقمح والزيتون وغيرها من المحاصيل، من أجل مواجهة المناخ الجاف والقاسي في تلك المنطقة الصحراوية، مع السنوات إلى ركام، وتشوّهت بالتالي معالم الغرف الحفرية، وفق ما ذكرت وكالة الأنباء التونسية “وات”. وأكد عادل الورغي والي (محافظ) تطاوين، صعوبة مهمة إعادة الغرف إلى وضعها السابق، وتحسين البنية التحتية بالقصر، خاصة وأن العملية تتطلب ورشة خاصة يشتغل فيها عمال لهم دراية ومعرفة بهذه العمارة الشعبية القديمة. كما أكد ارتفاع كلفة مثل هذه الأشغال وعدم توفر الاعتمادات الكافية لها، مشيرا إلى أن المعهد الوطني للتراث رصد في الثماني سنوات الأخيرة اعتمادات لا تكفي، بحسب قوله، لترميم قصر واحد أو على الأقل لتحسين بنية قصر “أولاد دباب” المتميز بإطلالته العالية وبنايته المغلقة المستوحاة من الحصون والقلاع. وقال إن عدم التزام الشركتين السياحيتين المستغلتين لقصر حدادة وأولاد دباب بتسديد قيمة الإيجار لصالح المجلس المحلي الذي تعود ملكية القصور له، زاد الطين بلة، إذ وصلت ديون مستثمري قصر أولاد دباب إلى 80 ألف دينار، وهو مبلغ كان بالإمكان تخصيصه للانطلاق في تحسين وضعية القصر. وشدد الورغي على أن عملية الترميم يجب أن تتم وفق شروط محددة وبحسب المواصفات التي تحافظ على الطابع المعماري، وهذا الأمر لا يقبل المراجعة أو الاستثناء. ويأمل الأهالي في أن تتولى مصالح وزارة الثقافة والمعهد الوطني للتراث والمجلس الجهوي توفير الاعتمادات الضرورية حتى تلملم هذه القصور الأثرية شتاتها، وتنتصب شامخة لمقاومة العواصف وفعل الطبيعة القاسية هناك، وحتى تحافظ على جمالها وبريقها الخلاب، وحتى تظل قبلة السياح والزائرين بما يدعم حظوظ الجهة في أن تصبح قطبا سياحيا وثقافيا قادرا على المنافسة.
مشاركة :