قال خطيب جامع الخير بقلالي الشيخ صلاح الجودر في خطبة الجمعة: إن من أبرز سمات الدين الإسلامي العظيم تلكم الأواصر الاجتماعية، والوشائج الإيمانية، قربى وجيرة وأخوة، وجميعها حاثة على التعاون والترابط والتآزر، والتضامن والتشاور ثم العمل الجماعي المشترك، وجميعها تمتِّن العلاقات، وتكشف أسرار الأخلاق والقيم مهما تغير الزمان، وتقلبت الظروف، واختلت الأوزان!!، وما أبدع قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) (المائدة: 2)، قال الإمام الطبريُّ: (أي: وليُعِن بعضُكم - أيها المؤمنون - بعضًا على البرِّ، وهو العملُ بما أمرَ الله، والتقوَى أي: اتِّقاءُ ما أمرَ الله باتِّقائِه واجتِنابه من معاصِيه). والتعاون بين المؤمنين له أوجه كثيرة، ومن أبهى صورها التعاوُن والاعتصام بكتاب الله وسنة نبيه، وتحقيق العبودية والتوحيد والمُعتقَد الصحيح، الذي هو قِوامُ الدين الذي يدعو إلى التعاون على التناصُح والأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر، قال تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران: 104). إن خيرية هذه الأمة مرهون بالتعاون والاتحاد، قال تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) (آل عمران: 110)، ويعقب هذ الشرف العظيم تعاون آخر، وهو تعاون المسلم مع أخيه المسلم فقد جاء عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فيما رواه الطبراني: (ولأَن أمشِي مع أخٍ في حاجةٍ أحبُّ إلى من أن أعتكِف في مسجدي هذا شهرًا، ومن مشَى مع أخيه في حاجةٍ حتى يقضِيَها له ثبَّت الله قدمَيه يوم تزولُ الأقدام)، وقال (صلى الله عليه وسلم): (على كل مُسلمٍ صدقة)، قالوا: فإن لم يجِد؟ قال: (يعملُ بيدَيه فينفعُ نفسَه ويتصدَّق)، قالوا: فإن لم يستطِع؟ قال: (فيُعينُ ذا الحاجةِ الملهُوف) (البخاري). والمؤمن مع أخيه المؤمن في الشدائد، جاء عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (من نفَّس عن مؤمنٍ كُربةً من كُرَب الدنيا نفَّس الله عنه كُربَةً من كُرَب يوم القيامة، ومن يسَّر الله على مُعسِرٍ يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن سترَ مُسلِمًا سترَه الله في الدنيا والآخرة، والله في عَون العبدِ ما كان العبدُ في عَون أخيه) (مسلم). إن من أوجه التعاون على البرِّ والتقوى كما بينها الشرع الحنيف، مُواساة المكلُوم، ونُصرة المظلُوم، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (انصُر أخاكَ ظالِمًا أو مظلُومًا)، فقال رجلٌ: يا رسول الله! أنصُرُه إذا كان مظلُومًا، أفرأيتَ إن كان ظالِمًا كيف أنصُرُه؟، قال: (تحجِزُه أو تمنَعُه من الظُّلم، فإن ذلك نصرُه) (البخاري)، فمن أوجه البر والإحسان، الإصلاح بين الناس بتقريب وجهات النظر، وإيجاد الحلول، قال تعالى: (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أو مَعْرُوفٍ أو إصلاح بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) (النساء: 114)، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (ألا أُخبرُكم بأفضَل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟)، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: (إصلاح ذات البَين، فإن فساد ذات البَين هي الحالِقة) (أبو داود بسندٍ صحيحٍ). لولا التعاوُن بين الناس ما شرُفَت نفسٌ ولا ازدهَرَت أرضٌ بعُمرانِ وإن من أروع صور التعاون هو تعاون أبناء المجتمع الواحد مع ولاة أمورهم وعلمائهم ورجال حفظ الأمن، كل ذلك من أجل حفظ الأمن والاستقرار، فبهذا التعاون تحفظ الأموال والأرواح والممتلكات، والتصدي للمسالك الضالة والمناهج المنحرفة، كالعنف والإرهاب والتشدد، والغلو والتطرف، والتكفير والطائفية، تحقيقًا للمنهج الوسطي المعتدل، وتعزيزًا للأمن الفكري واللحمة الوطنية. ومن أوجه التعاون هو تعاون قادة الدول في مختلف بلاد المسلمين، جمعا للكلمة وتوحيدا للصف، وبعدا عن النزاع والشقاق، فتعاون قادة الدول هو تاج عز ووسام فخر. وبعد يومين تستقبل الرياض عاصمة المجد والفخر والحزم قادة دول مجلس التعاون الخليجي، لذا فإن الدعوة لهم بالخير والسداد، فبهم تسير سفينة النجاة لرخاء أبناء المنطقة، والتصدي لدعاة الفتنة والخراب، وأبرز القضايا هو التصدي للمخطط الإيراني السافر بالمنطقة، من هنا يتجسد واجب التعاون والتحالف والاتحاد، لا للتفرقة، ولا للخذلان، ولا للتخالف، يجب أن يكون الجسد الخليج كالبنيان المرصوص، قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (المائدة: 2). واتقوا الله رحمكم الله واستمسكوا بدينكم، واعتصموا بربكم فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا.
مشاركة :