قال خطيب جامع الخير بقلالي الشيخ صلاح الجودر في خطبة الجمعة: إن معايير الأخلاق وآداب التعامل مع الناس هي مقاييس الالتزام بدين الإسلام، وهي قواعد وآداب تحكم العلاقة بين الناس باختلاف فئاتهم وألوانهم وأطيافهم، قواعد وآداب تبعث الشعور على المحبة والتسامح والتعايش وحسن العلاقة وكريم المعشر، فدماثة الأخلاق وحسن الخُلق هو اللغة المشتركة بين الناس، لغة يفهمها كل واحد، الوجه الصبوح والابتسامة الجميلة وحسن البشر جميعها وسائل تكسب الناس، بل إن ذا المروءة الحكيم يملك الناس بأفعاله قبل أقواله. في ديننا الحنيف:(أكملُ المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خُلُقًا) [أحمد وأبو داود والترمذي]، وجاء كذلك من حديث أبي هريرة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (إنكم لن تسَعُوا الناسَ بأموالكم، وليسَعْهُ منكم بسطُ الوجهِ وحُسن الخُلُق) [الترمذي والحاكم]، والناس معادن ومنازل وفئات وطبقات وثقافات، ومعاملتهم معاملة واحدة لا تستقيم، فالعقول متفاوتة والطباع متغايرة والأفعال متباينة، ولله في خلقِهِ شُؤون، لذا فإن التعامل مع الناس يتفاوت بتفاوتهم، ولذا كان التوجيه الإلهي لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِين) [آل عمران: 159]. لنقف عند حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التعامل مع الناس، وأولها معاملته مع أهله وآل بيته، فيقول: (خيرُكم خيرُكم لأهله، وأنا خيرُكم لأهلِي) [الترمذي وابن ماجه]، أما الأطفالُ والصِّبيانُ فإنه يتعامل معهم بالرفق والإحسان، فيحملُ بنت بنته في الصلاة، فإذا ركع وضعها، وإذا قام رفعها [متفق عليه]، والحسن بن علي يركب على ظهره الشريف وهو في الصلاة، فيُطيلُ السجود حتى يقضي الطفلُ لعبه [أحمد والنسائي]، وصعد الحسن المنبر ذات يوم والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب في الناس، فضمَّه النبيُّ ومسحَ رأسَه وقال: (ابنِي هذا سيدٌ، ولعلَّ اللهَ أن يُصلِحَ على يديه بين فئتين عظيمتين من المسلمين) [أبو داود]. أما التعامُل مع الخَدَم والعُمَّال فيقول أنس: (خدمتُ رسولَ الله عشرَ سنين، فما قال لي لشيءٍ فعلتُه لِمَ فعلتَه، ولا لشيءٍ لم أفعله لم لمْ تفعله)، وقد أرشد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى التعامل الحسن بين الناس، فقال: (رحِمَ اللهُ عبدًا سمحًا إذا باعَ، سمحًا إذا اشترى، سمحًا إذا قضى، سمحًا إذا اقتضى) [البخاري]. لقد كان نبيكم محمد -صلى الله عليه وسلم- سمحًا مع كل الناس حتى مع غير المسلمين، فقد كانت العهود والمواثيق والمعاهدات أكبر شاهد على المجادلة بالحسنى والتسامح والعفو والصفح، فقال وهو يدخل مكة المكرمة: (من دخلَ دارَ أبي سُفيان فهو آمِن، ومن أغلقَ عليه بابَه فهو آمِن، ومن ألقى السلاحَ فهو آمِن)، وقال لقريشٍ يوم الفتح: «ما تقولون أني فاعلٌ بكم؟ فقالوا: أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريم، فقال: أقولُ كما قال أخي يوسف: (لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِين) [يوسف: 92]، اذهبُوا فأنتمُ الطُّلَقاء»، وحين قيل له ادع على المشركين، قال: (إني لم أُبعَث لعَّانًا، وإنما بُعِثت رحمةً) [مسلم]. إن سبيل العيش بين الناس على الرغم من اختلاف ألوانهم وأجناسهم وألسنتهم هو الإصلاح والتسامح والرفق والعفو والإحسان، والأنفس كلما تحررت من طغيانها وتعصبها كانت أقدر على التعامل مع الناس وبناء العلاقات الطيبة معهم، والأمة اليوم في أمس الحاجة إلى الوحدة والاتحاد والعمل الجماعي، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا بنشر ثقافة التسامح بين الناس، فالتسامح قوة وليس ضعفًا، وكرم ونبل لا خسة ومكرا، وليعلم الجميع أن التسامح أقوى من الحقد والكراهية والانتقام، وأثر التسامح أكبر من التعصب، من أجل هذا جاءت تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف لترسي قواعد المجتمع القوي في معاملاته وعلاقاته مع سائر المجتمعات والدول. المنطقة اليوم تتعرض لمشروع تغيير الهوية الذي يُرى في العراق وسوريا ولبنان واليمن، والمسؤولية تحتم التحذير وأخذ الحيطة من دور إيران في هذا المشروع التدميري، فالجميع يرى سياسة إيران في التدخل في دول المنطقة سواءً بتدريب المليشيات الإرهابية أو فتح المعسكرات أو توفير المتفجرات والأسلحة لتلك المليشيات، ومحاولة استمالة عواطف بعض شعوب المنطقة من خلال الخطابات الطائفية والمذهبية والعرقية ليزيد حضور العصابات الإجرامية في المشهد السياسي. إن المشروع الإيراني في المنطقة هو الذي أفرز تلك المليشيات مثل «حزب الله» اللبناني والحشد الشعبي في العراق الذي يضم فيلق القدس الإيراني وفيلق بدر وجيش المهدي وعصائب أهل الحق وجيش المختار ولواء أبي الفضل العباس، وفي اليمن جماعة الحوثي (أنصار الله)، وغيرها من الجماعات في المنطقة ممن تدين بالولاء للحرس الثوري الإيراني، وتعمل ضمن الأجندة الإيرانية. لذا يجب الحذر وأخذ الحيطة من هذا المشروع التدميري الذي يستهدف هوية الأمة وعقيدتها وتاريخها.
مشاركة :