قال الشيخ صلاح الجودر خطيب جامع الخير في قلالي في خطبة الجمعة أمس: لقد جاء شهر رمضان بالخير والبشرى، وعم نوره الكون، فامتلأت القلوب بالغبطة، وارتوت الأرواح بالإيمان، فهو شهر الطاعة والرحمة والمغفرة، هل علينا هلاله بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام، هلال خير ورشد، فهذا الشهر سيد الشهور، شهر تزكية النفوس وتربيتها، جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن «مَن صام رمَضان إيمانًا واحتسابًا غفِر له ما تقدَّم من ذنبه». (البخاري ومسلم). إن من أعظم القربات لله تعالى في شهر رمضان هو الصوم الذي فرضه الله على المسلم العاقل البالغ المقيم الصحيح، تحقيقاً للتقوى، قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» (البقرة: 183)، وثواب الصائم وأجر الصوم مرده إلى الله تعالى: جاء عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «قال الله عزّ وجلّ: كلُّ عمَلِ ابنِ آدم له إلاَّ الصّوم، فإنه لي وأنا أجزِي به، والصيام جنة، فإذا كان يوم صومِ أحدكم فلا يرفث ولا يصخَب، فإنّ سابَّه أحدٌ أو قاتَله فليقُل: إني امرُؤ صائم». (البخاري ومسلم)، وفي رواية أخرى: (يدع طعامَه وشرابه وشهوتَه من أجلي)، وفي صحيح مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ورمضانُ إلى رمضان مكفِّرات لما بينهنّ إذا اجتُنِبت الكبائر». شهر رمضان هو شهر القيام والتراويح والذكر والدعاء وقراءة القرآن «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وبيِّنات مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ» (البقرة: 185)، وقد كان سلف الأمة من الصحابة وآل البيت والتابعين لهم بإحسان إذا جاء رمضان هجروا الحديث وتفرغوا لقراءة القرآن. إن الجود والإنفاق مرتبط بهذا الشهر، فعن ابن عباس قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، حيث يلقاه جبريلُ فيدارسه القرآن، فرسولُ الله -صلى لله عليه وسلم- حين يلقاه جبريلُ أجودُ بالخير من الريح المرسلة (البخاري)، واليوم والأمة تواجه تكالب الأعداء عليها من لأولئك الفقراء والمساكين واليتامى والأيامى؟، من لأولئك الذين طحنتهم الحروب وقهرتهم المؤامرات الإقليمية؟ إخوة لكم في الدين يموتون جوعاً وتشريداً وحصارا! إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان أكثر حرصاً على ألفة المسلمين ووحدتهم، وفي شهر رمضان بشكل أخص، وكان أول ما حدث به حين قدومه إلى المدينة المنورة أن قال: «يا أيها الناس، أفشوا السلام وأطعموا الطعام»، وجاء من حديث ابن عمر قال: قال -صلى الله عليه وسلم-: «أطعموا الطعام، وأفشوا السلام، وكونوا عباد الله إخوانًا كما أمركم الله»، وجاء عن حذيفة قال: قال -صلى الله عليه وسلم-: «من قال:لا إله إلا الله ابتغاء وجه الله ختم له بها ودخل الجنة، ومن صام يومًا لوجه الله ختم له بها ودخل الجنة، ومن تصدق بصدقة ابتغاء وجه الله ختم له بها ودخل الجنة». أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم. إن الله تعالى في معرض المدح والثناء على عباده المؤمنين يقول: «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا» (الإنسان: 8)، من هنا –عباد الله- يجب التركيز على مسألتين: الأولى هو شكر النعمة وعدم نكرانها، يجب الاقتصاد في الطعام وعدم الإسراف والتبذير، مع الأسف الشديد ما يشاهد في وسائل التواصل الاجتماعي حين يتم تصوير موائد الإفطار واستعراض المأكولات ثم إتلافها في مكبات القمامة ليست من الإسلام، فهناك في الأرض جياع ومشردين ومحاصرين، تأملوا إخوانكم في فلسطين والعراق وسوريا واليمن وغيرها من الدول إنهم يتمنون فائض طعامكم وما يلقى في مكبات القمامة، وما تأكله البهائم من خبز، فالجوع لا يرحم، وألمه لا يسكن، حتى أكلوا الكلاب والقطط والأعشاب، فبكت عجائزهم وصرخت نساؤهم من ألم الجوع، واعلموا أن الله يبدل من حال إلى حال، فلا تغتروا بما أنعم الله عليكم من خيرات، فهذه النعم زائلة. ثانياً: أعلموا أن حواليكم وبينكم أخوة محتاجين، وأسر فقيرة متعففة، وعمال مغتربين في الشوارع، فمدوا أيديكم إليهم بالمال والطعام، وأدخلوا السرور إلى قلوبهم، فرب دعوة صادقة تفتح لكم أبواب السماء. عباد الله، أدعو لولاة أمركم وعلمائكم الخير والصلاح والرشاد، ولأوطانكم بالأمن والأمان، تزاوروا وأصلحوا ذات بينكم، واتقوا الله لعلكم تفلحون.
مشاركة :