قال خطيب بجامع الخير بقلالي الشيخ صلاح الجــودر في خطبة الجمعة أمس لقد بعث الله نبيه محمد (صلى الله عليه وسلم) على حين فترة من الرسل، فهدى به الناس إلى أقوم الطرق وأوضح السبل، فكان دعوة أبيه إبراهيم عليه السلام: رَبَّنَا وَابْعَث فِيهِمْ رَسُولا منْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَـتِكَ وَيُعَلّمُهُمُ الْكِتَـبَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ (البقرة: 129)، وكان بشرى أخيه عيسى عليه السلام: يبَنِي إِسْرءيلَ إِنّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مصَدّقا لّمَا بَيْنَ يَدَيّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشّرا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِى اسْمُهُ أحمد (الصف: 6)، فكان النعمة العظمى والمنحة الكبرى التي تفضل الله بها على أهل الأرض. أيها الإخوة المؤمنون، لقد ولد (صلى الله عليه وسلم) بمكة المكرمة في عام الفيل في شهر ربيع الأول، وبعثه الله برسالته على رأس الأربعين من عمره، فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده، قال تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِينا (المائدة: 3). قد أنعم الله على نبيه محمد (صلى الله عليه وسلم) بأفضل الأخلاق، وقد جاء عنه (صلى الله عليه وسلم): (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) (أحمد)، وجاء مدحه في القرآن الكريم، قال تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيم) (القلم: 4)، وإن من أبرز صفات الأخلاق التسامح، فحياته (صلى الله عليه وسلم) كلها تسامح، سواءً في مكة أو المدينة، فحينما زاد ظلم واضطهاد المشركين له وطلب منه أصحابه أن يدعو عليهم، قال: (إني لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمة) (مسلم)، فليس من أخلاق المسلم الحق اللعن أو السب. وعندما هاجر (صلى الله عليه وسلم) إلى الطائف ودعا أهلها إلى الإسلام، رفضوا وطردوه وضربوه حتى سال دمه الشريف، فجاءه جبريل عليه السلام قائلا: إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال: يا محمد، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): (بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا) (البخاري)، صفحات نبوية مشرقة في التسامح. لقد كان التسامح منهج رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في القضايا كلها حتى مع أعداء الأمة، فقد عفا عن ابن أبي سلول مرارا، وزاره وهو في مرضه، وصلى عليه لما مات ونزل قبره وألبسه قميصه، في صورة تسامحية راقية، ولما فتح مكة قال لقريش: (ما تظنون أني فاعل بكم) قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، قال (اذهبوا فأنتم الطلقاء)، إنه الرحمة المهداة، مُلئت تسامحا وعفوا وصفحا، ولعلكم تذكرون ذلك الرجل اليهودي الذي يضع القمامة في طريق رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وحين خرج يوما ولم يجد القمامة في طريقه سأل عن ذلك الرجل فيقال له أنه مريض، فذهب إليه وعاده في مرضه.إن كلمة التسامح كلمة جميلة في العبارة والمعنى، ولكن تطبيقها صعب، فهي تحتاج إلى تدريب من الفرد ليمتلكها، فالأجر والمثوبة لما فيها من عفو وصفح وتجاوز عن الأخطاء، فإذا ما غضب الفرد فعليه ألا يهدر طاقته في الغضب والضيق والحزن، ولكن عليه بالتسامح. لقد واجه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في سبيل نشر دعوته ثلاثة أصناف من الناس، المستكبرين الذين يعلمون الحق ويجحدونه، والحاسدين الذين يموتون غيظا من دعوته، والجهّال الضالين وهم التابعون لكل ناعق، فكانوا يسعون إلى تشويه دعوة النبي التسامحية، والصد عن سبيل الله، قال تعالى: يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَـافِرُونَ (الصف: 8)، فقابلهم النبي (صلى الله عليه وسلم) بالتسامح. في مثل هذه الشهر تمر ذكرى المولد النبوي الشريف، وهي ذكرى لعموم المسلمين بأن هذا النبي (صلى الله عليه وسلم) إنما جاء لتوحيد الله، ونبذ الشرك، وإتمام مكارم الأخلاق، فهو نبي المسلمين عموما، فمولده فجرا، ومبعثه فتحا، هدى الله به الناس من الضلالة، وعلم به من الجهالة، وأرشد به من الغواية، فالناس قبل مولده ومبعثه كانوا في جاهلية جهلاء، يعبدون الأصنام، ويدعون غير الله، فكان مولده ومبعثه النور الذي عم البشرية، قال تعالى: قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رحِيمٌ (آل عمران: 31).
مشاركة :