ســـرديــــات: «الفضول» لألبرتو مانغويل.. قوائم الكتب التأسيسية !

  • 12/9/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

يُعد ألبرتو مانغويل من أكثر الكتاب العالميين عناية بتاريخ القراءة؛ فقد اشتغل على هذا الموضوع الصعب في أكثر من كتاب: «تاريخ القراءة» و«المكتبة في الليل» و«يوميات القراءة» و«فن القراءة» و«مدينة الكلمات» إلى جانب كتابه الجاذب «الفضول». لقد اختار مانغويل في هذا الكتاب نخبة من أبرز المؤثرين الثقافيين فيه مثل توما الأكويني، وديفيد هيوم، ولويس كارول وريتشل كارسون وسقراط ودانتي. ولم يتعامل مانغويل مع هؤلاء جميعًا على أنهم مجرد كائنات ورقية، بل استنطق في نصوصهم رؤيتهم للعالم من خلال الفضول الكبير الذي مارسه في قراءة كتبهم. وكتاب «الفضول» هو تاريخ انتقائي للفضول البشري ووليمة عظيمة من الأفكار. يقول ألبرتو مانغويل: كنتُ حتى مرحلة متأخرة من مراهقتي لا أعرف شيئا عن مفهوم الترجمة. وقد نشأت مع لغتين هما الإنجليزية والألمانية. ولم يكن التبديل بين هاتين اللغتين في طفولتي يشبه محاولة نقل المعنى نفسه من لغة إلى أخرى، بل كان ببساطة نوعا آخر من آلية الكلام وفق هوية المخاطب؛ فحكاية الجنيات نفسها التي هي من تأليف الأخوين غريم كانت بالنسبة إلى حكايتين مختلفتين: حكاية ترويها النسخة الألمانية المطبوعة بحروف قوطية ثخينة ورسوم توضيحية بألوان مائية قاتمة، وحكاية أخرى ترويها النسخة الإنجليزية بحروف كبيرة وواضحة، ترافقها نقوش بالأبيض والأسود. بدا واضحًا بالنسبة إليّ أن الحكايتين كانتا مختلفتين، هكذا رأيتهما، كلّ في صفحاتهما اكتشفتُ في نهاية المطاف أنَّ النص المتغير يبقى نفسه في الجوهر، أو بالأحرى بإمكان ذلك النص اكتساء هويات مختلفة بلغات مختلفة، وهي عملية يتمُّ فيها استبدال مكونات النص بمكونات أخرى من قبيل المفردات والنحو والقواعد والجَرْس، وكذلك الخصائص الثقافية والتاريخية والوجدانية. على مدى عقود طويلة من حياته كانت هذه الكتب التأسيسية التي قرأها مانويل منذ طفولته تتحاور في ذاته المعرفية، ويعيد قراءتها وتأويلها وفقًا لمستوى النضج الثقافي المعرفي الذي وصل إليه. لقد كانت هذه الكتب التي قرأها بمثابة قائمة تأسيسية كبرى أثَّرت في قراءاته اللاحقة. وفي الثقافة العربية القديمة كانت توجد لدينا ثقافة القراءات المنتخبة متمثلة في تلك الكتب الموسوعية الثقافية، وممثَّلة كذلك في ذائقة شعرية منتقاة تريد توجيه المتلقي لتأسيسه وفقًا لها. وأمثل لهذا النوع بكتاب «الحماسة» لأبي تمّام وهو الكتاب الذي انتقى فيه أبو تمّام وفقًا لذائقته طائفة من الأبيات الشعرية القديمة(المنتخبات). قبل سنوات كانت إذاعة البي بي سي البريطانية تستضيف في أحد برامجها الثقافية المشهورة طائفة من المثقفين البريطانيين، ويتحدث كلّ واحد منهم عن أبرز الكتب التي شكَّلت مساراته الثقافية. في المدارس والجامعات وحتى المتلقي العادي نحن بالفعل بحاجة إلى أن نوجد مثل هذه القوائم التأسيسية الكبرى من الكتب المؤثِّرة ثقافيًا. ولا أزال أحتفظ بفاصل صغير للكتب مكتوب عليه باللغة الإنجليزية «خمسون كتابًا لا بد أن تقرأها في حياتك!» وطبعًا تلك القائمة كانت خاضعة وبدقة لانتقاء ثقافي دقيق. أستاذة السرديات والنقد الأدبي الحديث كلية الآداب، جامعة البحرين

مشاركة :