أصبح التدهور المناخي حقيقة واقعة، إذ لا يحتاج المواطن الدراسات العلمية والاتفاقات الدولية لإدراك خطورة الأوضاع. وشهد العام الحالي نحو 70 إعصاراً مدارياً في العالم، مقارنة بـ53 إعصاراً كان متوقعاً، بحسب المنظمة العالمية للأرصاد الجوية. وفي الشرق الأوسط، بدأنا نعتاد هطول الأمطار الغزيرة التي تتسبب بفيضانات في المدن، ذات المجاري المغلقة، وسيولاً في الصحاري والمناطق الريفية. وبدأت ترتفع درجات الحرارة في بعض المدن العربية خلال فصل الصيف الى نحو 60 درجة مئوية، في ظل الانقطاع المستمر للكهرباء. وتتكرر هذه الظواهر الطبيعية وتؤدي إلى هلاك العديد من السكان وتدمير المساكن والمنتوجات الزراعية. وفي فرنسا، لا تزال تظاهرات السترات الصفراء مستمرة، ولكن ليس احتجاجاً على التغيّر المناخي ، بل على ارتفاع أسعار وقود المواصلات للمواطنين الفرنسيين القاطنين في الضواحي والمناطق الزراعية وعليهم قطع مسافات طويلة يومياً من مساكنهم إلى عملهم، ثم العودة إلى بيوتهم، ما يضيف إلى أعبائهم المالية. ويُلاحظ خلال هذه الفترة تزايد التحذيرات العلمية والسياسية لتلكؤ بعض الدول في تنفيذ اتفاقات المناخ التي تم التوصل اليها. وشددت مجموعة قمة العشرين في بوينس آرس أخيراً على أهمية النتائج التي توصلت اليها مجموعة علماء المناخ في إطار عملها في الأمم المتحدة، كما دعت القمة إلى بذل جهود إضافية لتوحيد العقود لتشييد البنية التحتية بهدف تشجيع الرساميل الخاصة على الاستثمار في مشاريع ضخمة. وأقرت مجموعة العشرين، باستثناء واشنطن في عهد الرئيس دونالد ترمب، الإستراتيجية العالمية لمكافحة التغير المناخي، كما وافق 175 طرفاً على اتفاق باريس للمناخ لعام 2015. ويعقد حالياً مؤتمر دولي في العاصمة البولندية وارسو حول مكافحة التغيّر المناخي. ودعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس الشهر الماضي إلى ضرورة معالجة الأسباب الجذرية لأزمة الثقة العالمية للتغير المناخي، وإلى تسريع العمل المناخي ليوازي التغيّرات الحاصلة، والعمل لتعزيز عولمة عادلة. وحذر «التقرير السنوي للانبعاثات العالمية» الصادر عن الأمم المتحدة من تزايد الانبعاثات العالمية مع تراجع الالتزامات الدولية لمكافحة تغير المناخ، كما حذر من الزخم المتزايد من القطاع الخاص والإمكانات غير المستغلة من الابتكار والتمويل الأخضر التي تمهد المسار لسد فجوة الانبعاثات. وتشير تقارير الأمم المتحدة العلمية إلى أن انبعاثات الغازات الدفيئة الناشئة عن الأنشطة البشرية بلغت أعلى مستوياتها في التاريخ. ونشأ عن تغير المناخ الناتج عن النمو الاقتصادي والسكاني، تأثيرات واسعة النطاق في النظم البشرية والطبيعية في معظم الدول وكل القارات. وبعد تعرض الغلاف الجوي والمحيطات للاحترار، تتقلص مساحات الثلوج والجليد، وترتفع مستويات البحار. ومن المتوقع ارتفاع درجة حرارة المسطح العالمي على مدار القرن الـ21، وفي حال عدم إتخاذ الإجراءات اللازمة، فق دترتفع الحرارة بما يتجاوز ثلاث درجات مئوية خلال القرن الحالي. وتحذر الأمم المتحدة من أن «معالجة تأثيرات المناخ في التنمية الاقتصادية، والموارد الطبيعية، وحالة الفقر، أصبحت تشكل عنصراً معقداً في إطار إنجاز التنمية المستدامة، وسيضمن التوصل الى حلول لتغير المناخ بصورة غير مكلفة ومتصاعدة عدم تعثر التقدم المحرز على مدار العقود السابقة، وتمتع اقتصادات الدول بالصحة والقدرة على التكيف». ويوضح فريق حكومي دولي يعمل في إطار الأمم المتحدة ومتخصص في تغير المناخ، أن بين عامي 1880 و2012، ارتفع متوسط درجة الحرارة العالمية بنسبة 0.85 درجة مئوية. وتسببت كل درجة واحدة من زيادات درجة الحرارة في خفض حجم الحبوب بنحو 5 في المئة. وشهدت الذرة والقمح والمحاصيل الرئيسة الأخرى انخفاضاً كبيراً في الإنتاجية على المستوى العالمي البالغ 40 ميغا طن سنوياً بين عامي 1981 و2003 بسبب المناخ الأكثر دفئاً. ويشير الفريق الحكومي إلى ارتفاع دفء المحيطات، وتناقص كميات الثلوج والجليد وارتفاع مستوى سطح البحر العالمي بين عامي 1901 و2010 بمقدار 19 سنتيمتر مع توسع المحيطات بسبب ارتفاع درجة الحرارة والجليد الذائب. وتقلص أيضاً حجم جليد البحر في القطب الشمالي خلال العقود التي تلت عام 1979، مع خسارة ثلوج تقدر بآلاف الكيلومترات المربعة. وبالنظر إلى التركيزات الحالية لغازات الدفيئة وانبعاثاتها المستمرة، يتوقع الفريق الحكومي الدولي أن «مع نهاية القرن الحالي، ستتجاوز الزيادة في درجة الحرارة العالمية 1.5 درجة مئوية مقارنة بالفترة بين عامي 1850 و1900، وسترتفع حرارة المحيطات وسيستمر ذوبان الجليد». ومن المتوقع أيضاً بلوغ متوسط ارتفاع مستوى سطح البحر ما بين 24 و30 سنتيمتراً بحلول عام 2065 وما بين 40 و63 سنتيمتراً بحلول عام 2100. وستستمر معظم جوانب تغير المناخ لعدة قرون حتى اذا توقفت الانبعاثات. وتدل معلومات مجموعة العمل الحكومي هذه إلى «ارتفاع الانبعاثات العالمية من ثاني أوكسيد الكربون بنحو 50 في المئة المنذ عام 1990، كما «نمت الانبعاثات العالمية بسرعة أكبر بين عامي 2000 و2010 مقارنة بكل من العقود الثلاثة السابقة». وعلى رغم كل هذه التطورات السلبية، يؤكد فريق العمل الحكومي أن «من الممكن استخدام مجموعة واسعة من التدابير التكنولوجية والتغيرات في أنماط السلوك، للحدّ من الزيادة في متوسط درجة الحرارة العالمية الى درجتين مئويتين فوق مستوى معدل ما قبل العصر الصناعي».
مشاركة :