رشا حلوة: إجتماعيا، يبدو أن العزوبية أفضل من الزواج

  • 12/12/2018
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

رشا حلوة: اجتماعيا، يبدو أن العزوبية أفضل من الزواج في مقالها* لـDW عربية تنطلق الكاتبة الصحفية رشا حلوة من نتائج دراسة أجريت حول خصائص حياة العزوبية والعلاقة بالمجتمع، وتنوه إلى أن حياة العزوبية يتم الحكم عليها بشكل مسبق في المجتمعات العربية. نعيش في مجتمعات تحثّنا دومًا على الزواج، نساء كنّا أو رجالًا. منذ أن نولد، تُرسم لنا خريطة حياة "تنتهي"، إنّ صحّ التعبير، بأن يجد المرء شريكًا للزواج. ودون علاقة بتنوّع "طرق الزواج"، منها التي تحدث بدافع الحبّ وأخرى "بالفرض" على طرف آخر، وهنا أتحدث عن النساء، فالشخص غير المتزوّج يعتبر "خارجا عن التقاليد الاجتماعية"، وفي هذا السياق، تعتبر المرأة العزباء "خارجة أكثر عن هذه التقاليد"، وتُنسب لها مسميات عديدة، سواء اختارت هذا الطريق أو "هذا الذي حصل"، منها أنها "عانس". إن عدم الزواج، بإمكانه أن يحدث بدون قرار من الفرد، وفي أحيان كثيرة هو قرار وخيار، بأنه لا يريد أن يكون جزءًا من مؤسسة الزواج، لا يؤمن بها على سبيل المثال، أو لا يريد تأسيس عائلة، وهذا بالطبع، خيار شخصي رغم صعوبته في ظروفنا الاجتماعية. ويجدر التذكير، بأن تداعيات نهج حياة العزوبية هذا هو أصعب على المرأة منه على الرجل، خاصّة بأن المجتمعات ترى في سنّ المرأة عاملًا أساسيًا للشراكة الزوجية النابع من حقيقتها البيولوجية وقدرتها الزمنية على الإنجاب، مما هو دليل لما تراه المنظومة الاجتماعية الذكورية لدور المرأة الذي يخدم هذه المنظومات، وكذلك لدورها ضمن "العائلة"، فهي الأم، الزوجة، الابنة، إلخ.. ونادر ما يتم التعامل معها ككيان مستقلّ لا يتبع لأي شي أو جهة أو أحد. امتدادًا للتغيّيرات التي تحدث في العالم على المستوى الاجتماعي، وبما يتعلق بالزواج أو العزوبية المستمرة، ووفقًا لمقالات متنوعة، ففي القرن الواحد والعشرين هنالك ازدياد أكثر من أي وقت مضى في نسبة غير المتزوجين، وبالضرورة مع التغييرات العالمية والسياسية، كما أن الانفتاح على العالم، يؤثر على مجتمعاتنا العربية، وعلى قرار نساء ورجال فيها بعدم الزواج، أو حتّى التحرر من فكرة أن الزواج هو "النهاية السعيدة" التي يصبو إليها كل إنسان، ومن غير زواج، سيكون "ناقصًا"! في دراسة أجريت في العامّ 2015، تم التوصل إلى أنه من الأفضل أن يبقى الإنسان أعزبًا، حيث أن هذه الإيجابيات مرتبطة بالمستوى الاجتماعي، وعلاقته بالمجتمع. بمعنى، أن الأعزب هو أقل عزلة عن مجتمعه المحيط ومشاركته أكبر به، ولديه روابط اجتماعية قوية مع الناس، بالاضافة إلى ميل لأن يقدّم المساعدات لهم. وبالتالي، فالزواج يخلق عزلة ما بين الأفراد المتزوجين وبين مجتمعاتهم، وقد لخّص الباحثون في الدراسة بأنه "بدلًا من تشجيع الزواج، يحب أن تُقرّ سياسة عامّة بالقيود الاجتماعية المرتبطة بالزواج، والاعتراف أن العازبين لديهم مشاركة أكبر مع المجتمع". بالطبع، هنالك من يدعي بأن المشاركة الأوسع في المجتمع، ليست بالضرورة بالأمر الإيجابي، وأن العزلة عنه هي أحيانًا أفضل، حتّى على مستوى الصحة النفسية. لكن النقطة المهمّة، حسب رأيي، هو الخروج عن الادعاء بأن الأعزب أو العزباء هم شخصيات تعيسة ووحيدة، وأن النساء تقضي أيامها بالبحث عن "فارس أحلامها" خلف التلال والبحار… إضافة إلى ضرورة القراءة النقدية لكل موروثنا الديني والثقافي والاقتصادي والاجتماعي حول هذا الهوس بالزواج، وبالمقابل التوقف عن التقليل من شأن وقيمة كل من لم يتزوج لأي سبب كان، حتى لو لم يختاره. حول علاقة العزوبية بالعطاء الاجتماعي، قالت (س. 31 عامًا)، وهي فنانة فلسطينية: "عزوبيتي هي قرار وواقع، بمعنى هي قرار بأن أبقى عزباء ولن أستغني عنه إلى أن أتأكد بأن الزواج لن يسلب مني حريتي التي اتمتع بها كعزباء، لذلك أفضّل العلاقات العاطفية وأن لا أكون تحت إطار مؤسسة الزواج التقليدية. بالنسبة للعطاء المجتمعي، بالطبع هنالك علاقة بين كوني عزباء وبين التزاماتي العائلية القليلة، والوقت المتوفّر لمنحه في مشاريعي الفنية ومشاريع ثقافية واجتماعية أخرى. لدي الكثير من الوقت ولا يربطني أي شيء بأي مكان أو زمان محددين. حتّى على المستوى النفسي، قليل ما أتعب نفسيًا! بسهولة استطيع أن أذهب إلى غرفتي، أعزل نفسي عن العالم، وأعود إليه متى أشاء". مع قرار نقل حياتي بالكامل إلى برلين، عرفت أنه سيكون من الصعب أن أقوم بهذه الخطوة لو كنت متزوجة أو مع عائلة وأطفال. أن أصل إلى الثلاثينات من عمري وأنا عزباء، لم يكن قرارًا شخصيًا، إنما صدفة، بل في أحيان كثيرة، كان هذا الواقع ثقيلًا على قلبي، خاصّة لأني جئت من مجتمع يتمنى أن أكون متزوجة كل يوم، سرًا وعلنًا، بمعنى، وتيرة تكرار أمنية: "عقبال ما نشوفك عروس"، تفوق الطاقة البشرية على التحمّل أحيانًا. لا أقول هذا بغضب، بل بتفهم للواقع الذي جئت أنا وكثيرات منه. من الصعب أحيانًا الهروب من طغيانه على حيواتنا وأفكارنا، هذا الطغيان الذي يترجم بالأفلام، بالروايات وبكيفما تسوّق المنظومات الاقتصادية والدينية والاجتماعية شكل الحياة المثالي وشكل الحب المطلوب! حيث ليس من السهل التحرر منه. في برلين، مقارنة ببلدي، ألتقي أكثر بنساء عربيات عازبات ورجال عرب عازبين، والكثير منهم/ن من منطلق تفادي التزامات الزواج وما إلى ذلك. بالطبع، هنالك تأثيرات عديدة للظروف السياسية والاجتماعية على الفرد، خاصة في ظل الهجرات، بتنوعها، إلى أوروبا، منها سيرورة تكسير مفاهيم وقيود اجتماعية عديدة، كصورة الزواج والالتزام العائلي، إلخ.. بالطبع، لكل شيء إيجابياته وسلبياته، الحديث عن الالتزام العائلي تحديدًا، يمكن أن يكون له جوانب إيجابية، تضع الفرد، سواء كان رجلًا أم إمرأة، أمام تفكير أوسع تجاه قرارات عليهم اتخاذها، منها قرارات ممكن أن تكون سلبية ومضرّة بالمجتمع نفسه، فالتعامل مع العائلة كفضاء مسؤولية إيجابية، وكنواة لبناء مجتمعات أفضل، أحيانًا هو العمل بجهد لتوفير قيّم إنسانيّة للأطفال والذات تعود بالفائدة إلى العالم. لا أعتقد أن هدف الدراسة حول العلاقة بين العزوبية والارتباط بالمجتمع هو لتوزيع قيّم أخلاقية، حول ما هو صحيح وما خطأ، ولا يهدف مقالي أيضًا للقول بأن العزوبية هي أفضل من الزواج، لكنه قراءة نقدية لمباني اجتماعية واقتصادية ودينية نولد ونعيش فيها، تجعل من صورة أن نكبر في السّن عازبين/ات، مشهدًا مرعبًا، بالإضافة إلى أن الشكل التقليدي للحياة الزوجية والعزلة عن الترابط الاجتماعي، بإمكاننا إعادة النظر به، حيث تنجح أزواج عديدة بالحفاظ على شكل قريب من حياتها ما قبل الزواج وبين ما بعد. كل شيء يحتاج إلى مجهود؛ التحرر من موروث ضرورة الزواج، كما من الشكل التقليدي له، على أمل أن نحاول قدر الإمكان أن نختار أشكال حياتنا، في ظل العزوبية أو زواج، بحرية وبلا أحكام اجتماعية وأخلاقية على خيارات ونهج حياتنا. * الموضوع يعبر عن وجهة نظر كاتبته وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.

مشاركة :