تنعقد الجلسة الخامسة للحوار بين «تيار المستقبل» و «حزب الله» غداً برعاية رئيس المجلس النيابي نبيه بري وسط أجواء سياسية وأمنية مشحونة فرضها خطاب السيد حسن نصرالله الجمعة الماضي في تكريم كوادر الحزب الستة والجنرال في الحرس الثوري الإيراني محمد علي الله دادي الذين قتلوا في الغارة الإسرائيلية على منطقة القنيطرة السورية، وما رافقه من إطلاق غزير للرصاص والقذائف ابتهاجاً باطلالته ومواقفه أحدث حالاً من الرعب والفلتان في بيروت والضاحية الجنوبية وجوارهما وكان موضع انتقاد من قوى 14 آذار. وتقول مصادر سياسية مواكبة لحوار «المستقبل» - «حزب الله» بأن الجلسات الحوارية السابقة عقدت في أجواء هادئة وبقي النقاش محصوراً في التدابير والإجراءات الواجب اتخاذها لتنفيس الاحتقان بين السنّة والشيعة. فيما أخذت هذه الأجواء تتبدّل في شكل يدعو إلى القلق على الجدوى من الحوار في ظل الساعات العصيبة التي مرت على بيروت والمناطق المجاورة للعاصمة والرعب الذي أصاب المواطنين بسبب إطلاق الرصاص والقذائف عشوائياً. وتؤكد المصادر نفلسها لـ «الحياة» أن حال الهلع هذه التي أصابت المواطنين ستفرض نفسها على جدول أعمال الجلسة الحوارية غداً، وهذا يستدعي من الرئيس بري التدخل لإنقاذ الحوار وبالتالي سيتطلب منه الحضور شخصياً بدلاً من أن ينوب عنه معاونه السياسي وزير المال علي حسن خليل. وتعتقد هذه المصادر أن المتحاورين أمضوا معظم الجلسات السابقة وهم يبحثون في سلة من الإجراءات المؤدية إلى تنفيس الاحتقان المذهبي والطائفي وأبدوا استعداداً للتوافق على خريطة طريق لإزالة جميع المظاهر من لافتات وشعارات وصور من بيروت الإدارية وطرابلس وصيدا باعتبار أن مثل هذا التدبير يسهم في تبديد الاحتقان إضافة إلى الإسراع في تطبيق الخطة الأمنية في البقاع الشمالي. لكن ما حصل الجمعة الماضي مع إلقاء نصرالله خطابه أدى - بحسب المصادر - إلى معاودة النقاش في هذه التدابير من نقطة الصفر. وكأن ما جرى التوافق عليه في الجلسات السابقة أسقط بالضربة القاضية تحت ضغط الفلتان الأمني والانتشار المسلح وإطلاق الرصاص والقذائف. وتلفت المصادر أيضاً إلى أن المسار العام الذي يفترض أن يسلكه الحوار غداً يواجه تحديات لا يجوز الاستخفاف بها ولا يمكن ترحيلها عن طاولة الحوار لأن الحوار قبل الخطاب الذي ألقاه السيد نصرالله هو غيره بعد هذا الخطاب، وتؤكد أن الحوار هذه المرة بات أصعب بكثير من المرات السابقة. وترى أن ما حصل الجمعة الماضي لا يزال يتفاعل سياسياً وأمنياً، خصوصاً أن الساعات الماضية لم تسجل أي شكل من أشكال التواصل بين «المستقبل» و «حزب الله» في محاولة لاستيضاح الأخير الأسباب التي كانت وراء الإخلال بالأمن. وتؤكد المصادر أن البيان الذي صدر عن كتلة «المستقبل» بعد العملية التي نفذها «حزب الله» ضد إسرائيل في مزارع شبعا المحتلة بقي في حدود التأكيد أن قرارات الحرب والسلم هي من مسؤولية الحكومة اللبنانية وأيضاً الالتزام الكامل باحترام القرار الدولي 1701 والابتعاد عن أي تورط يحمل معه خطراً على لبنان. وتقول إن «المستقبل» أراد التذكير بأن لديه مجموعة من الثوابت ليس في وارد التفريط بها، لكنه في الوقت نفسه حرص على الحفاظ على الحد الأدنى من الأجواء التي تتيح استمرار الحوار إضافة إلى أنه لا يريد أن يربك حكومة الرئيس تمام سلام أكثر مما هي مرتبكة. وتضيف أن موقف «المستقبل» انعكس هدوءاً على جلسة مجلس الوزراء الخميس الماضي التي مرت بسلام وغابت عنها المناوشات باستثناء ما قاله الوزير الكتائبي سجعان قزي من أن قرارات السلم والحرب تتخذها الحكومة، لئلا يؤدي التفرد بالقرار إلى تحميل لبنان ما لا يستطيع أن يتحمله. وتلاحظ المصادر أن المواقف التي أعلنها نصرالله، خصوصاً لجهة توحيد الجبهات في مواجهة إسرائيل في جبهة واحدة، أو في خصوص قواعد الاشتباك التي يرعاها القرار 1701 ستدفع حتماً في اتجاه عودة التوتر السياسي إلى داخل الحكومة، خصوصاً أن المجتمع الدولي والأمم المتحدة لم يقتنعا بأن العملية التي نفذها «حزب الله» في مزارع شبعا لا تشكل خرقاً لـ 1701. وتؤكد أيضاً أن ما قاله نصرالله لم يكن تحت سقف المعادلة الثلاثية في مواجهة إسرائيل أي الشعب والجيش والمقاومة وإنما توخى فرض معادلة ثلاثية جديدة تقوم على مثلث يجمع بين سورية وإيران ولبنان في جبهة واحدة موحدة. وتسأل المصادر هل في مقدور لبنان، ومن خلاله الحكومة، أن يتحمل أوزار ما يترتب على هذا المثلث الجديد من تداعيات أمنية وسياسية وماذا ستقول الحكومة للمجتمع الدولي الذي تمكن عبر القرار 1701 من تأمين شبكة أمان سياسية للبنان وبالتالي كيف سيكون الموقف في حال أن «حزب الله» وحلفاءه قطعوا شوطاً على طريق إسقاط قواعد الاشتباك التي ستدفع بالدول المشاركة في «يونيفيل» إلى سحب قواتها من جنوب لبنان؟ وتعتقد أن مجلس الوزراء نجح في أن يتجاوز الاختلاف بسبب التباين في المواقف من عملية «حزب الله» في المزارع والتي تعامل معها قائد الحرس الثوري في إيران الجنرال محمد علي جعفري بأنها الرد الإيراني على عملية القنيطرة، لكنه سيتبين لاحقاً أن كرة الثلج ستكبر تدريجياً بسبب التداعيات الناجمة عن توحيد الجبهات. لذلك، فإن تنفيس الاحتقان لم يعد ممكناً، كما تقول المصادر، في إزالة اللافتات والشعارات ونزع الصور، وإنما في تنعيم المواقف السياسية بدلاً من تسعير الاختلاف وهذا لن يقتصر منذ الآن وصاعداً على الحوار بين «المستقبل» و «حزب الله» ومعهما حركة «أمل» لأنها معنية في أن تعيد الحوار إلى نصابه، وإنما سينتقل حتماً إلى داخل الحكومة التي لم يعد لديها من دفاعات سياسية بعد أن أطاحت المواقف الأخيرة لنصرالله البيان الوزاري لحكومة المصلحة الوطنية التي ستضطر عاجلاً أم آجلاً وبلسان رئيسها إلى توضيح موقفها من إلغاء قواعد الاشتباك. وعليه، فإن تدوير الزوايا حول بعض الأمور الداخلية المختلف عليها ينفع الحكومة لبعض الوقت، لكنها لن تستطيع، لأمد طويل، أن تدير ظهرها لمواقف نصرالله في خصوص توحيد الجبهات وإسقاط قواعد الاشتباك، علماً أن لا مصلحة لـ «حزب الله» وحتى إشعار آخر في أن يطيح هذه الحكومة لأنه في حاجة إلى غطاء سياسي من موقع الاختلاف مع الآخرين وهذا لا يوفره إلا مجلس الوزراء الذي تتحكم به رؤوس عدة، فيما يقف حوار «حزب الله» - «المستقبل» عند مفترق طرق فلننتظر لنرى إلى أين سينتهي حوارهما غداً؟
مشاركة :