قد تجدون مما سأُدرجة لمحة أو صورة عن معاناة الزراع في بلادنا. فإذا تركنا الاعتماد على الحيوان من بقر وحمير وإبل، وماتحتاجه تلك من رعاية وأعلاف وسياقة في الممر(المنحاة) نجد أن أثمانها أيضا لم تكن بمتناول الزارع. وعلى الزارع أو أحد من أهله القيام منتصف الليل لتجهيز الحيوانات وربط حبالها وجعلها تبدأ الذهاب والإياب في المدرج. كل هذا كان يتطلب الاستعداد العقلى والجسدي، أو لأقل إنها "إدارة "ذلك الزمن. فمرض حيوان أو تأخره عن المنحاة قد يعني تأخر السقيا وتعديل الماء ليذهب إلى الأحواض بالطريقة المطلوبة. تقدمنا قليلا وجلبنا المضخات. وتلك المضخات غالية الثمن، وعند محاولة وضعها في الخدمة على صاحب البئر أن يُهيئ رصيفا يتحملها قرب مستوى ماء البئر. ولن تُعطي الماكنة كامل ضخها لو وضعها خارج البئر. هنا تأتي مسألة البناء ليكون قويّا يتحمّل ارتجاجات المضخة. ثم تأتي مسألة إنزال الماكنة إلى ذاك الرصيف المُعد (يسمونه الأوضة) وهي مفردة تركية تعني غرفة. وإنزال المعدة يتطلب صبرا وتحملا ودقة. فوجدنا أكثر من رجل وعددا من الأيادي تمسك حبالا غليظة تقوم بإنزال الماكنة بتأن متناه، وآخرين على الرصيف (قرب مستوى ماء البئر) يستقبلونها ليزنوا المنسوب عن الميلان وقياس وصول ماسورة الغطس لتصل إلى قاع البئر دون أن تلامس الأرضية. ويحرصون على وجود ركن صغير ليكون موضعا للزيت والديزل. لعل ما أوضحته أعلاه يعطينا لمحة من العناء الذي لا قاه الناس عند استخراج قطرات الماء للشرب أو الزراعة أو سقيا الماشية أو الغسيل. وأجمل عمل خيري في ذلك الوقت كان أن يقوم المالك أو الفلاح بابتداع طريقة فنية تجعل الفائض من السقيا يخرج عبر ساقية إلى بركة مُصممة لتحتفظ بالماء النظيف، وتكون في الشارع، في متناول المارة والماشية ومن أراد أن يتوضأ للصلاة أو يغسل ملابس. وفنيُة التصميم ذاك أن الماء لا يبقى حائرا بل متحركا وجاريا، يعود إلى المزرعة بحيث تكون تلك البركة صالحة لكل غرض. كل هذا الإرث لم يُعلمنا كيف نتجنّب الهدر والاستعمال الجائر لمياهنا.
مشاركة :