تميز المشهد السياسي بالفعل بتبدل في مزاج الناخب البحريني، حيث لم تجد مرشحين، لا أموالهم ولا سيرتهم الذاتية الاكاديمية ولا ألقابهم المهنية، ولا حتى نفوذهم في القرية والحي والدائرة، فبات معيار التصويت هل هذا المترشح مخلص وسيدافع عن الناخبين / الشعب أم انه «عيار / متخاذل» يبيعنا أوهام وزجاجات ماء الذهب المغشوش. لم تجد الولائم ولا ما يشبهها من كرم ضيافة المقرات الانتخابية، فمن انتصر هذه المرة سمعة المترشح لا غير. لذا عاد المنبر التقدمي هذه المرة بنائبين، ولكل واحد منهما أسباب لنجاحه، أهمها حظوظهما لمقاطعة الوفاق وحل جمعيتها، وغيره من شارع متشدد من جمعيات الاسلام السياسي، تكرر التاريخ مرتين لحظ عبدالنبي سلمان بين عام 2002 وعام 2018، غير أن هذه المرة أرقامه أكبر بكثير من الدورة السابقة، حيث لمس ناخبيه أفعاله ومواقفه في المجلس على مدار أربع سنوات متواصلة حققت له سمعة طيبة ودعاية غير مدفوع لها، ولكن دون شك تزكية رجل أعمال من سكان عالي له دوره من نصيب تلك الأصوات، بل ولا أخال أن الوفاق كان قادرًا على لجم أنصاره بعدم الذهاب الى صناديق الاقتراع كما هو حاصل في أصوات من جمعية وعد وغيرها من أصوات مستقلة في الطائفتين، فليس من صالح الوفاق أو وعد أن تترك الساحة مفتوحة بالمطلق، فمن الأفضل دعم اليسار المتحالف معهم، فالغضب السياسي ضد المشاركة لا يمنع من التصرف بمسؤولية سياسية في معركة الانتخابات. كذلك كان حظ فلاح في النجاح، فالمقاطعة فتحت له طريقاً للمقعد النيابي، والذي سيكون ساخناً تحت قدميه، فالاحتراق هناك مختلف عن المهمات التنظيمية في المنبر. وسيرفد النائب الجديد / السابق يوسف زينل المواقف والملفات الأكثر انسجاماً مع برنامجه، وهو أقرب الى برنامج خط المنبر التقدمي، باعتباره سليل ذلك البيت الثوري القديم، الممتد مع امتداد المنبر، غير أنني أتوقع أن زينل لن يكون دائماً بتوافقات مطلقة مع المنبر نتيجة تركيبته الشخصية وحتى الفكرية في السنوات الاخيره. في المشهد الجديد الصعب هو «الموزاييك النسائي» الذي دخل المجلس بصفة مستقلة، وقد ينجح أمثال عبدالنبي وزينل مد جسور ممكنة معهن ومع الجيل الشاب في تقاطعات عديدة، فيما لو قمنا بقراءة عميقة تفصيلية لبرامج النواب الناجحين. ومن خلال تلك البرامج على التيار الأكثر خبرة في السياسة ومناوراتها كالمنبر التقدمي وزينل، حيث بالإمكان نواب آخرين مستقلين يمسكون العصا من الوسط تارة وفي تارة أخرى بالإمكان ضربها على رؤوس كل نائب، يتطاول كثيراً بأبعد من حاجب عينيه، فهناك تبقى خطوط في اللعبة البرلمانية ينبغي كيف يلعب النائب الحاذق بأوراقها. هناك مساحات مهمة في مجلس 2018 بتركيبته الجديدة قادر على التحرك بينها كما يتحرك بدوي بالخبرة اليومية بين رمال الربع الخالي المتحركة. من سيقفزون من نواب على مرحلتهم التاريخية والظروف الداخلية والخارجية، ويقدمون ملفات خارجية وأحلام كبرى على حساب ملفات داخلية، أكثر إلحاحاً للمواطنين وأكثر أهمية بكثير من زج نواب في التشارك في السياسة الخارجية مع السلطة التشريعية، فهذا خط لا يمكن تجاوزه بسهولة بمجرد عندك نائبين في المجلس. لم يحن الوقت لتجاوز معابر وعرة، وعلى من يصيغون سياسة المنبر من الخارج أن لا يورطوا النائبين في كل صغيرة وكبيرة داخل المجلس، فكم من المواقف المتطرفة قادت الى إغلاق «الدكان» حينما يفلس صاحبه في معرفة فن البيع والشراء في عالم السياسة. المشهد البارز الآن هو الصراع على رئاسة مجلس النواب، والذي تسعى النائبة فوزية زينل انتزاعه، ولربما تفوز به بسهولة، حيث ترغب البحرين تقديم صورة ناصعة للعالم عن دور ومكانة المرأة، وقد تسربت معلومات عن تقديم بعض النواب تأييدهم لها لهذا المنصب التاريخي. حين تجلس القوارير على اشواك السياسة، دون خوف وتردد متحدية المرأة الصعاب، ولعبة التوازنات والحكمة والمرونة بين اراء واصوات متنافرة. هل تخلق فوزية زينل اوركسترا بحرينية متناغمة افضل من السابق داخل المجلس؟ لا أعرف ولا أستطيع الجزم بنعم أو لا لسؤالي الصعب. كل ما أستطيع قوله: أتمنى أن تحظى فوزية بالمقعد فأنا نصير لحق المرأة المتساوي والكامل في المجتمع، في بلادنا وفي كل مكان من العالم.
مشاركة :