الشباب العربي وتحديات المستقبل

  • 12/25/2018
  • 00:00
  • 18
  • 0
  • 0
news-picture

في الوقت الذي دخل فيه العالم سباق الابتكارات المستقبلية والذكاء الاصطناعي، وظهور مهنٍ جديدة واندثارِ أخرى أمام مهارات وخدمات أدوات الثورة الصناعية الرابعة، نرى جيلاً بأكمله يتوجّه نحو اللا شيء وإدمان الملهيات والمسليات بعيدا عن عصر المعرفة وتحدياته، وما يتطلبه من بناء القدرات واكتساب المهارات التي ستعبر به من بوتقة التقليد والرتابة نحو آفاق التطوير والريادة، والاجتهاد والعمل الجاد، بدل الانغماس في فكر القشور وحب الظهور. الحقيقة، أن شابا في مقتبل العمر وضعَنا في مواجهة صادمة مع أنفسنا، حيث خرج علينا بتحدٍ مبتكر وفريد من نوعه، ليبرهن لنا ما نعانيه من أزمة في ثقافتنا وتشوش في هويتنا، وضياعٍ في بوصلة اهتمامات شبابنا. كان التحدي عبارة عن أغنية لا تتعدى ثلاث كلمات (أنتِ أي كلام) أغنية فارغة من أي محتوى، بلحن مكرر مر على أسماعنا عشرات المرات، وتم تصويرها كفيديو كليب بأقل كلفة وأبسط إخراج، بطله شخصية كرتونية مشهورة (الدكتور الفونس)، وما هي إلا دقائق حتى اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي، وحصدت الأغنية نسبة 4.5 ملايين مشاهدة على موقع يوتيوب وحده حتى لحظة كتابة هذه الكلمات، وأصبحنا فعلاً نسمع «أي كلام» والسلام. هذا هو واقع الحال، حصدت الأغنية التافهة كما وصفها مبتكرها، ما لم يحصده توفيق الحكيم وعباس محمود العقاد ومجدي يعقوب والشيخ الشعراوي وفاروق الباز وأحمد زويل وأم كلثوم وشادية وغيرهم من علماء ومفكرين وفنانين في حياتهم من عدد قراء ومتابعين، وما لم ولن تحصده البرامج الثقافية والمعرفية، ما دام الشباب مقبلا على الفراغ، شاردا عن متطلبات عصره، فقد كشف تقرير نشره موقع (Global English Editing) عام 2017 أن العربي يقرأ ما يعادل 6 دقائق سنويًا فقط فيما يقرأ الأوروبي 200 ساعة سنويا، إلا أن التقرير حمل مفاجأة غير متوقعة، وهي أن مصر والسعودية من أفضل الدول في العالم من حيث معدلات القراءة، حيث تخطت كلتا الدولتين المعدل المتوسط للقراءة عالميا وهو 6 ساعات ونصف الساعة في الأسبوع. واحتلت الدول العربية معدلات متدنية من حيث الدول الأكثر ثقافة عام 2016 مقارنة بالدول الاسكندنافية التي احتلت المراتب الخمس الأولى في مؤشر عدد المكتبات وعدد الصحف الورقية أو الإلكترونية، وعدد سنوات الدراسة ونسبة استخدام الكمبيوتر. وقبل أن تذهب بك الحيرة وتبلغ بك الدهشة مبلغها، إليك وقفات من وحي تلك المأساة. الوقفة الأولى، لا صوت يعلو فوق صوت الكلام، ولا أفعال إلا في الفراغ والغياب، هذه هي أزمة الجيل، وثقافة الجيل، ومن يرى أن فيما أقول ضربا من المبالغة، فعليه بجولة عابرة في منصات التواصل الاجتماعي، ليرى عوالم عملها «المكلمات»، وصناعتها «الافتراضات» ورهانها لليوم والغد على «التفاهات» وإنتاجها لا يتعدى «الأوهام والتمنيات». الوقفة الثانية، تحولت معارض الكتاب في منطقتنا العربية من منتديات فكرية ومنصات معرفية وملتقيات لكسب جُلساء جدد للكتاب، إلى مناسبات شكلية وإقبال كثيف مع نسب شراء للكتب في أدنى مستوياتها، حتى يخيل إليك أن الكتاب يستبشر بإقبال القارئ عليه، وما هي إلا لحظات حتى يفرّ ذلك القارئ المأمول بلا عودة، حيث كشف أعمال الاجتماع الثاني لمديري معارض الكتب العربية في دولة الكويت على هامش معرض الكويت للكتاب الـ42 لعام 2017. أن هناك تراجعا مستمرا في مبيعات الناشرين وعلى مدار 6 سنوات، بخلاف معرضي الكتاب الضخمين في الرياض وجدة اللذين أصبحا قبلة الناشرين العرب في السنوات الأخيرة، حيث بلغ إجمالي مبيعات الكتب في معرض الرياض الدولي للكتاب عام 2017 حوالي 72 مليون ريال سعودي؛ إلا أنه وبرغم حضور الكتاب يبقى المأزق الأكبر في أن عناوين التكرار والتنظير تجعلك تحصل من بين كل ألف كتاب على كتاب ثمين بذل صاحبه الغالي والثمين ليصل إليك بفكر وعرض معرفي أو مشاركة روائية أو أدبية أو ثقافية أو قانونية جديرة بأن تحتويها مكتبتك، حيث تدعو ما أكدت عليه الرابطة الدولية للناشرين (IPA)، إلى توحيد الصفوف للاحتفاء بالكتب التي تمكّن تبادل الأفكار والمعرفة وتعزز الحوار الحضاري مع الآخر وتجسد الإبداع، وهي تعمل على تحقيق هذا الهدف جنبًا إلى جنب مع المنظمة العالمية للملكية الفكرية «الويبو»، كما كشف إحصاءات أولية صدرت عن المنظمتين في شهر أبريل لهذا العام أن مبيعات الكتب في 11 بلدًا غربيًا، ليس من ضمنها الدول العربية، بلغت 41.9 مليار دولار أمريكي في عام 2016. وتبين أن الصين هي الأكثر نشرًا حيث بلغت مبيعات دور النشر الصينية حوالي 58 مليون دولار أمريكي مثلت الإصدارات الرقمية حوالي 28% منها. الوقفة الثالثة، أزمتنا مع غذاء البطون المقدم عن غذاء العقول، ومع التعليم المعلب، والخصومة مع المهارات والكفاءات، والتحايل على مستقبل يمضي سريعًا ونحن نلهث خلفه كالسلحفاة، ثقافتنا الشكلية قتلت الموضوعية وأخرجت لنا جيلا معزولا في عالمه الافتراضي، تبحث له عن عيادات للعلاج من الإدمان الإلكتروني، وأعداد أطفال التوحد في مجتمعاتنا وفرط الحركة والتشتت الذهني والاضطرابات السلوكية وغيرها شاهدة وماثلة للعيان لكي نعلم عمق أزمتنا، حيث أثبتت تقارير منظمة الصحة العالمية 2016 أن طفلاً واحدًا من كل 160 طفلاً يعاني اضطرابات التوحد. وأن رقعة هذا المرض آخذة في الاتساع، ناهيك عن اضطراب فرط النشاط ونقص الانتباه ADHD. أهذا ما آل إليه حالنا، أغنية من ثلاث كلمات جمعت أكثر من 4 ملايين ونصف المليون متابع؛ في حين كُتب واختراعات ولوحات فنية وإبداعات بذل أصحابها العمر علهم يفوزون بالتقدير والمتابعات أحياء قبل أن يصيروا أمواتا، فكان نصيب الكثير منهم غياهب النسيان بعد أن أصبحت عملة (الكلام) هي شاهد هذا الزمان. ‭{‬ خبير دولي في التميز المؤسسي والتحكيم التجاري

مشاركة :