الشباب العربي وتحدي صنع المستقبل

  • 9/2/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

د. محمد السعيد إدريس كان اللقاء بشباب العرب المشاركين في الدورة الخامسة والعشرين ل مخيم الشباب القومي العربي (170 شابة وشاباً جاءوا من 15 قطراً عربياً متحملين نفقات سفرهم) الذي استضافته تونس (13- 22 أغسطس/آب 2016) فرصة لا تعوض لتفحص معالم وملامح المستقبل العربي من خلال الدخول في منازلة فكرية مع عقول وقلوب هؤلاء الشباب. ذهبت إليهم لإلقاء محاضرة عن علاقة الاشتباك الساخنة بين القوى الفاعلة في النظام الإقليمي الشرق أوسطي (إيران والكيان الصهيوني وتركيا وإثيوبيا) بالنظام العربي، في محاولة لاستخلاص النتائج المهمة مع هؤلاء الشباب للإجابة عن السؤال الأهم: هل من سبيل أمام العرب للخروج من النفق المظلم؟ وكان هذا السؤال عنواناً لورقة تحليلية أو تقدير موقف أعددته خصيصاً لطرحه على هؤلاء الشباب كورقة حوارية تجري دراستها ومناقشتها في جلسات ورش العمل على أمل تحريك التحدي داخلهم، واستفزازهم للمشاركة بالانخراط في هموم استعادة الأمة لتماسكها كخطوة لابد منها لإعادة التفكير في المستقبل. وكانت المفاجأة أن ما تصورته مدخلاً استفزازياً لتحفيز الشباب للبحث في صنع المستقبل انطلاقاً من إدراك الواقع وتحدياته كان هو شاغلهم الشاغل، ووجدتهم أكثر انشغالاً بالمستقبل وأحلامه، مدركين ضخامة تحديات الواقع وآلامه، وعبروا عن ذلك في سيل من التساؤلات لم أستطع وقف اندفاعه، إلا بإشراكهم في البحث المشترك عن إجابات لهذه التساؤلات. انطلقت معظم هذه التساؤلات من تحليل دقيق قدمه الشباب للمشروعات الإقليمية المنافسة لمشروعنا العربي الغائب: المشروع الصهيوني الاستعماري الاستيطاني، والمشروع الإيراني التوسعي والمشروع التركي الذي ما زال يراوح بين طموحات عثمانية جديدة وقيود أتاتوركية متجذرة، وأخيراً المشروع الإثيوبي الطامح للسيطرة على الخاصرة الجنوبية للقرن الإفريقي متحالفاً مع واشنطن وتل أبيب. وكان هذا التحليل مدخلاً لمجموعة كبيرة من التساؤلات من نوع: هل يمكن للكيان الصهيوني أن يتعايش مع مشروع للسلام مع العرب دون أن يتحرر هذا الكيان من أطماعه في التوسع والاستيطان وإنكار الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني؟ لماذا يفرط العرب في التعامل مع الصراع ضد الكيان الصهيوني باعتباره صراع وجود في حين يتمسك هذا الكيان بأن صراعه مع العرب صراع دفاع عن حق الوجود؟ هل من الممكن أن يدخل العرب في توافقات مصالح مع الكيان الصهيوني قد تؤدي إلى تمييع الصراع ضد هذا الكيان في حين ينخرط العرب في صراعات ساخنة مع القوى الإقليمية الأخرى خاصة مع إيران وتركيا بدوافع جديدة ومصالح جديدة لم يكن لها وجود قبل عقدين على الأكثر؟ لماذا تتورط إيران وتركيا في تفاعلات صراعية مع العرب تؤثر في مصداقية مزاعم عدائهم للكيان الصهيوني؟ إلى متى ستظل أمريكا تراهن على تحالفها مع الكيان الصهيوني على الرغم من تغير الظروف التي جعلت من هذا الكيان قوة مهمة للدفاع عن المصالح الأمريكية؟ وإذا كان من المحتمل أن تتحول واشنطن عن رهانها على هذا الكيان فكيف ستكون خريطة تحالفاته الدولية والإقليمية وأين العرب من مجمل هذه التفاعلات؟ ما هي الأسباب الحقيقية لتفجر أزمة الهوية في الدول العربية هل هي أسباب خارجية أم داخلية؟ أم هي خارجية وداخلية، وكيف يمكن استرداد الوعي بالهوية العربية الجامعة؟ إذا كانت الأحداث العربية الأخيرة قد أثبتت هشاشة الأمن المعتمد فقط على التفوق العسكري، فلماذا كل هذا التعويل العربي على الإنفاق العسكري من دون اهتمام أو اكتراث بالعوامل المسؤولة عن تفاقم التهديدات والصراعات الداخلية: غياب الديمقراطية، الإقصاء والتهميش السياسي، غياب العدل الاجتماعي، التفريط في التوافق الوطني؟ من المسؤول عن تحول دول الثورات العربية وانصرافها عن أجندة العمل التي رفعتها تلك الثورات والانجرار إلى أجندة أخرى بديلة من التهديدات ومن الأولويات كانت نتائجها هي انتكاسة تلك الثورات؟ كيف يمكن الطموح في تأسيس حركة تحرر عربية جديدة للخروج من النفق المظلم دون أن يكون الشعب قادراً على المشاركة وحماية حقوقه ومكتسباته في الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية والوطنية؟ قائمة طويلة من التساؤلات لم يتفوق عليها غير التعقيبات المبدعة من الشابات والشبان المشاركين في هذا المخيم، تعقيبات كشفت عن أن هذه الأمة ما زالت بخير، وأن الأمل في المستقبل ما زال ممكناً، لكن ما خفي كان أعظم. فقد تعرضت هذه الدورة لمخيم الشباب القومي العربي إلى ضغوط غير مسبوقة لانعقادها حيث اعتذرت كل الدول العربية تقريباً عن استضافتها، واعتذرت دول عن السماح لشبابها بالمشاركة، وتوقف كل دعم مادي، وقبلت تونس باستضافة المخيم في أضيق الحدود، ودون أي دعم مادي، فقط وفرت مكان انعقاد المخيم (المعهد الرياضي في تونس العاصمة)، ولم يكن لهذه الدورة أن تتم وتكتمل إلا بتوفير الحد الأدنى من تبرعات عدد محدود من ذوي الفضل من الشخصيات العربية، ودون أن يثبت شباب المخيم قدرتهم العالية على تحمل شظف العيش وندرة الخدمات داخل هذا المخيم متسلحين بوعيهم وتمسكهم بأن في مقدورهم التحدي وأن أولى محطات التحدي هو تحمل كل الضغوط، وإنجاح المخيم.

مشاركة :