أكد الداعية عبدالله بن محمد النعمة -في خطبة جامع الإمام محمد بن عبدالوهاب- أن القرآن الكريم يرسم للمسلم منهج حياته، وقد جاء كدستور عمل واتباع، وقواعد فوز وفلاح، وربح وخسارة، ومنهج عظيم، وحكم رباني أصيل، يحتاجه المسلم في جميع شؤون حياته وأحواله، لافتاً في هذا السياق إلى ما جاء في محكم التنزيل: {قُل لَّا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.أوضح أن هذه الآية الكريمة ترسم للمسلم منهج حياة، ومبادئ وحكم يحتاجه الإنسان في مقام التمييز بين الأقوال والأفعال، والسلوكيات والمقالات، والأشياء والأشخاص، وقد جاء المنهج عاماً في جميع الأمور، ويتصور في المكاسب والأعمال والناس، والمعارف والعلوم وغيرها، منوهاً بأن الخبيث في هذا كله لا يفلح، ولا ينجب، ولا تحسن له عاقبة وإن كثر، والطيب وإن قل نافع جميل العاقبة. وأضاف النعمة: بعض الناس لا يعرفون في حياتهم وحياة من حولهم من الأشخاص والأشياء إلا مقاييس الكثرة والقلة، يزنون بها الأمور، ويرتبون عليها المحامد والنتائج، فيرون أن كثرة العدد والعتاد هي سبيل النصر والاستخلاف في الأرض، والعز والتمكين، ويظنون أن كثرة الأموال والارزاق سبب السعادة والهناء، ويحسبون أن كثرة الأولاد والأهل والجاه والشرف سبب العزة والحياة، والكرامة والعيش. وتابع قائلاً: «ربما تسلل إلى نفوسهم وقلوبهم الخوف والضعف واليأس والقنوط، مما يرون من كثرة العدو وفشوّ الظلم، وانتشار الفواحش والمنكرات، ويغيب عن هؤلاء جميعاً أن المقاييس الصحيحة النافعة للنصر والاستخلاف والسعادة والنجاح، وغيرها من مقاصد الحياة ومطالبها، هي المقاييس الشرعية التي جاء بها الكتاب والسنة، لافتاً إلى أنه ليس هناك دليل على أن الكثرة هي المعول عليها في تحقيق النصر أو النجاة أو النفع في الحياة، بل على العكس من ذلك، لأن النصوص الشرعية، وسنن الحياة، ونواميس العقل الصحيح، وتجارب الأمم، تدل على أن القلة النافعة خير في كل شيء، إلا في ميزان الحسنات والسيئات: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُم بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ}. ذم الكثرة.. ومدح القلة أوضح فضيلة الداعية عبدالله بن محمد النعمة -في خطبة الجمعة أمس- أن الله تعالى لم يذكر الكثرة في القرآن إلا على سبيل الذم، والتحذير منها، ومن الاغترار بها، قال سبحانه: {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّه}، {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ}، لافتاً إلى أنه في حين جاءت القلة، ذكرت ممدوحة فاضلة، حائزة على الثناء والذكر في نصوص الوحي الشريف، ففي مجال الإيمان والشكر يقول الله تعالى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ)، (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ)، وفي مجال الاتباع وكثرة الأعوان والأنصار، فإن القلة هي شعار الصالحين، وحال الأنبياء والمرسلين وأتباعهم. وأشار فضيلته إلى أن أول المرسلين نوح عليه السلام، مكث في دعوة قومه إلى التوحيد والإيمان ألف سنة إلا خمسين عاماً، فلم يؤمن معه إلا بضعة عشر رجلاً، قال الله تعالى: {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ}، وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «عرضت علي الأمم، فرأيت النبي ومعه الرهيط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد». وفي مجال النصر والهزيمة والاستخلاف في الأرض، يقول الحق سبحانه وتعالى: {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللَّهِ واللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}، وما انتصر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، ولا المسلمون من بعدهم على مر التاريخ في معركة من معارك النصر على عدوهم بسبب الكثرة والعتاد، إنما انتصروا بالله تعالى، ثم بما يحملون في قلوبهم وفي نفوسهم من مبادئ الصدق والإيمان، والحق، والعدل، والثبات، والرغبة في الدار الآخرة، وما وعد الله. الصدق هو المعيار وليس كثرة العتاد تحدث فضيلة الداعية عبدالله بن محمد النعمة -في خطبة الجمعة أمس بجامع الإمام محمد بن عبدالوهاب- عن الصحابي الجليل عبدالله بن رواحه رضي الله عنه، الذي وقف حين تردد المسلمون في غزوة مؤتة؛ لما بلغهم أن عدد عدوهم من الروم 200 ألف، وخطب في القوم: «أيها الناس، إننا لا نقاتل الناس بعدد ولا عدة، إنما نقاتلهم بهذا الدين، وإن التي منها تهربون للتي خرجتم تطلبون، النصر أو الشهادة، فسيروا على بركة الله»، فساروا وهم 3 آلاف ليهزموا المائتين بفضل الله، ثم بفضل القلة المؤمنة الصادقة، قال الله تعالى: {إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}. وأوضح فضيلته أن المعيار في الواقعة السابقة، هو الكرامة والصدق، والعزة والثبات، والصلاح والتقى، وليس كثرة العتاد والعدد، بل ذم النبي منهم الكثرة وهو يصف حال الأمة في آخر الزمان حين أضاعوا أمر الله، ورغبوا في الدنيا، فقال: «توشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومِن قلَّةٍ نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السَّيل، ولينزعنَّ الله مِن صدور عدوِّكم المهابة منكم، وليقذفنَّ الله في قلوبكم الوَهَن، فقال قائل: يا رسول الله، وما الوَهْن؟ قال: حبُّ الدُّنيا، وكراهية الموت». وأشار إلى قول ابن مسعود رضي الله عنه: «الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك»، وحين ذكر النبي صلى الله عليه وسلم «الغرباء» من هذه الأمة كما جاء عند أحمد بسند صحيح قال: «طوبى للغرباء»، فقيل: «من الغرباء يارسول الله؟ قال: أناس صالحون في أناس سوء كثير، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم».;
مشاركة :