لا يوجد نموذج عمل موحد يرسم خطة التعاقب على إدارة الشركات العائلية؛ فنجاح مهمة أصحاب الشركة في تسليم مقاليد القيادة لأبنائهم، ونجاح عملية انتقال السلطة يتوقف على سنوات من التخطيط. قد تواجه عملية الانتقال تحديات عدة رغم التخطيط لها مسبقا، وحرص أصحاب الشركة على التواصل مع أولادهم الذين سيخلفونهم في إدارة الشركة. يرغب أبناء أصحاب الشركات العائلية هذه الأيام في التحليق بعيدا عن العائلة أكثر من أي وقت مضى، بعضهم هربا من براثن إمبراطورية العائلة، والبعض الآخر لاكتساب خبرات حياتية على أرض الواقع، قبل أن يعودوا في نهاية المطاف إلى حضن العائلة. لكن ذلك يترك أسئلة في حاجة إلى إجابة. على سبيل المثال: ما الفترة التي يريدونها لتحقيق غاياتهم؟ ومتى سيتخذون قرار العودة إلى العمل في الشركة العائلية؟ وما الذي ستؤول إليه الأمور في حال وفاة مالك الشركة أو عجزه عن إدارة الشركة قبل اتخاذهم قرار العودة؟ تحدد آلية تعامل العائلة مع عملية الانتقال، الفروق بين الشركات العائلية التي تستمر أجيالا، والتي لا تنجح في ذلك. التقيت خلال منتدى فاينانشيال تايمز للشركات العائلية في آسيا، اثنين من الأزواج الذين تلقوا ما أسميه "الدعوة". حين يدعو أحد مؤسسي الشركات العائلية ابنه أو ابنته للانضمام إلى العمل: "هل بإمكانك الانضمام إلى العمل معي الآن"؟ هناك جانب مهم لـ "الدعوة"؛ كونها لا تؤثر فقط في الأبناء، بل في شركاء حياتهم الذين قد يضطرون إلى الانضمام إليهم. تظهر كلتا القصتين كيفية تعامل الشركات العائلية الناجحة مع تحديات توارث الإدارة في الشركات العائلية، والدور الذي يلعبه الشريك "زوجا أو زوجة" في عملية الانتقال. ينحدر كلا الزوجين اللذين تحدثت إليهما من شركتين عائليتين مختلفتين تماما. تلقت بيرل لو، ابنة مؤسس "كيستون للكابلات" وهي مصنع للكابلات الكهربائية مقره سنغافورة، الدعوة في الوقت الذي كانت تعيش فيه مع زوجها ديريك سو في شنغهاي. وكان كلا الزوجين يعملان مع شركات كبرى متعددة الجنسيات، ويعيشان في بلدين مختلفين ليجمعهما العمل في شنغهاي. بعد فترة قصيرة، طلب والد بيرل منها العودة للانضمام إلى الشركة. يمثل تيموثي كوسوليتش الجيل السادس في شركته العائلية "مجموعة فراتيلي كوسوليتش" المختصة بخدمات الشحن. تلقى وزوجته ألكسندرا الدعوة بعد أن استقر بهما الأمر أخيرا للعمل في البلد نفسه. انتقلت ألكسندرا إلى إيطاليا. تيم من فرنسا وقد عاد من هونج كونج خصيصا ليكون معها؛ ليتلقى الدعوة بعدها وينتهي بهما الأمر إلى العمل في شركتهما العائلية في سنغافورة بعد بضعة أشهر. لدى كل من الأسرتين سلوكيات مختلفة إلى حد كبير تجاه أزواج وزوجات أولادهما. أدركت عائلة بيرل أنه بطلبها هذا ستدفع كلا من بيرل وديريك إلى التخلي عن مسارهما المهني، وقد يتعين على ديريك تغيير مجال عمله والقطاع الذي يعمل فيه في حال انتقاله إلى سنغافورة. لذا قررت العائلة احتضانه. يقول ديريك "كانت بيرل الشخص الأساسي، وبالتأكيد ترددت قليلا، ولكن عندما أبدت العائلة دعمها الكامل، قلت لنفسي: حسنا، ربما سنحاول". أما بالنسبة إلى أسرة تيموثي، فقد كانت القصة مختلفة. يقول تيم "لدينا قاعدة في عائلتنا بعدم السماح للأزواج والزوجات بالدخول في العمل. نحن على دراية بأن ذلك قد يدفعنا إلى التخلي عن بعض الأشخاص الموهوبين، لكن هناك دائما تضارب مصالح في الشركات العائلية. وقد يزيد الأمور تعقيدا إشراك الأزواج". تقبلت ألكسندرا هذا وتابعت مسيرتها المهنية. تتشابه كلتا العائلتين في بعض النواحي، فكلتاهما تضعان سياساتهما بناء على قيم العائلة، ويمنح الأبناء حق الاختيار قبل وعند الانضمام إلى الشركة العائلية. حرصت عائلة بيرل على أن تمنح ابنتها حرية العمل خارج الشركة العائلية، والحصول على الماجستير في إدارة الأعمال قبل العودة؛ حيث عملت لمصلحة مجلس التنمية الاقتصادية وروشيه قبل انضمامها إلى شركة العائلة، ما منحها الخبرة ونفاذ البصيرة. في حالة تيم، لدى الأسرة قواعد صارمة بشأن عمل أقارب الشريك، وعدم تدخل الأهل في عملية توظيف أبنائهم، لكن تفاوض تيم مع أعمامه حول منصبه - على سبيل المثال - حصل على عضوية مجلس الإدارة بناء على طلبه، يقول تيم "لم أرغب في الانضمام إلى مجلس الإدارة لاتخاذ القرارات، بل لتعلم كيفية اتخاذ القرارات، ولا سيما أن اثنين من أعمامي طاعنان في السن، وكنت أعلم أني لا أمتلك الوقت الكافي للتعلم منهما". كما تم الاتفاق على أن يؤخر تيم انضمامه إلى الشركة سنة واحدة؛ لأنه كان وسط مشروع كبير لمصلحة مجموعة ميرسك يكتسب منه خبرة قيمة.
مشاركة :