باحثة في جامعة هارفارد: الهجمات الإرهابية المقبلة على الغرب تأتي من القوقاز

  • 1/8/2019
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

انشغل عدد من الباحثين الغربيين والعرب بمحاولة الإجابة على سؤال مهم عن وجهة «داعش» بعد اقتراب زوالها نهائيا من العراق والشام خصوصا بعد الانتصارات المتتالية التى تحققها المؤسسات الأمنية فى العراق وسوريا لمكافحة التنظيمات الإرهابية، وبعيدا عن هذا السؤال المحورى تحلق فيرا ميرونوفا الباحثة الزائرة فى قسم الاقتصاد بجامعة هارفارد، فى فضاء مواز ففى تقرير نشرته مجلة فورن بوليسى الأمريكية، أن «التهديد الحقيقى يأتى من مكان أبعد إلى الشرق، من الاتحاد السوفيتى سابقا وما بعده، مؤكدة أن «هذا هو الخطر الذى يجب مراقبته فى عام 2019».حسب الباحثة فإن العديد من الهجمات الإرهابية التى استهدفت بلدانا أوروبية خلال السنوات الأخيرة والتى قام بها إرهابيون قادمون من بلدان الشرق الأوسط أو شمال أفريقيا تراجعت مقابل تهديد أكبر مصدره المنحدرون من جمهوريات الاتحاد السوفيتى سابقا، خاصة تلك التى تعيش فيها المجتمعات المحلية المسلمة اضطهادا أو أوضاعا اجتماعية واقتصادية سيئة.وتزايد النشاط الإرهابى المعادى للغرب الذى مصدره إرهابيون ينحدرون من جمهوريات الاتحاد السوفيتى سابقا، خاصة أن سوريا شكلت لوقت قريب أول جبهة خارج إقليم شمال القوقاز للمقاتلين الشيشانيين. وفى المقابل تراجعت الأعمال والهجمات التى ينفذها إرهابيون ينتمون إلى منطقة الشرق الأوسط بشكل ملحوظ. هذا التحول فى طبيعة التهديدات الإرهابية تعتبره الباحثة فى جامعة هارفارد فيرا ميرونوفا خطرا حقيقيا جديدا يجب متابعته عن كثب والتصدى له خلال العام الحالي، بالنظر إلى التطور الكبير فى عقيدة المتشددين فى البلدان التى كانت فى السابق تتبع الاتحاد السوفيتى والتى تعود بالأساس إلى القتال فى صفوف تنظيم داعش، حيث تغيرت أيديولوجياتهم من قضايا محلية محدودة إلى قضايا أشمل تتعلق بمحاربة الغرب بشكل عام.وكان الإرهابيون فى الشرق الأوسط مشغولين للغاية بالصراعات المحلية فى العراق وسوريا واليمن خلال السنوات الماضية، لكن تنظيم الدولة الإسلامية تراجع بعد هزيمته شبه الكاملة فى العراق وسوريا. وفى المقابل، ارتفع نسبيا النشاط الإرهابى المعادى للغرب القادم من منطقة ما بعد السوفيت. ولم يكن الرئيس فلاديمير بوتين يرى فى تنظيم داعش تهديدا مباشرا لروسيا، لكنه حذر من وجود مواطنين من القوقاز وآسيا الوسطى يقاتلون فى سوريا، كما أن موسكو أدرجت هذا التنظيم ضمن قوائم الإرهاب الروسية.ويقدر عدد هؤلاء ما بين ٤٠٠ و٧٠٠ مقاتل، ينقسمون إلى قسمين أساسيين: الأول من الطلبة الشيشانيين الذين كانوا يدرسون العربية والدين الإسلامى فى الدول العربية. والثاني، شيشانيون قدموا من وادى بانكيسي، شمال شرقى جورجيا، وقسم قليل جاء من الشيشان التى تحكم بجهاز أمنى قوى من قبل قاديروف.وتوضح ميرونوفا أن المتطرفين فى البلدان التى كانت تتبع فى السابق الاتحاد السوفيتي، والذين كانوا يشعرون بمظالم محلية، أصبحوا يديرون انتباههم إلى الغرب.وتقول الباحثة إن حروب الشرق الأوسط حولت المتطرفين المتحدثين باللغة الروسية، الذين ركزوا فى السابق على محاربة حكوماتهم الظالمة محليا، إلى إرهابيين دوليين.ولقد جعل إهمال الحكومة وقمع المسلمين المتدينين فى كازاخستان وطاجيكستان وأوزبكستان منهم أهدافا جذابة للمتطرفين الذين يبحثون عن مجندين جدد.وتعيش الأجيال الجديدة فى شمال القوقاز حالة اغتراب جعلتها عرضة لتأثير الأيديولوجيا المتطرفة، فى ظل إضعاف الحركات القومية فى المنطقة نتيجة السياسات الروسية، حيث إنهم طالما سعوا إلى إيجاد موطئ قدم لهم فى شمال القوقاز، منذ تراجع دور المقاتلين العرب فى الشيشان عام ٢٠٠٣.وخلال الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية، كان المتحدثون باللغة الروسية من دول الاتحاد السوفيتى السابق قد ارتكبوا بالفعل العديد من الهجمات الكبرى فى الغرب.وتضمنت تلك الأحداث أحداثا بسيطة، مثل الهجوم بشاحنة على المشاة عام ٢٠١٧ فى نيويورك وفى ستوكهولم- وقام رجلان من أوزبكستان بالهجومين- بالإضافة إلى عمليات أكثر تعقيدا أيضا، مثل التفجير الانتحارى فى ٢٠١٦ فى مطار إسطنبول - الذى تم ترتيبه من مواطن روسي- والهجوم على ناد ليلى فى المدينة ذاتها الذى قاده أوزبكي.تصاعد الإرهابترجح الباحثة فى جامعة هارفارد أن التهديد الإرهابى القادم من روسيا وخارجها سيزيد خلال السنوات القادمة. وتفسر أنه مع سقوط تنظيم الدولة الإسلامية، استطاع الإرهابيون المتحدثون باللغة الروسية بشكل عام الفرار من العراق وسوريا بسهولة أكبر من المقاتلين ذوى الأصول الشرق أوسطية، وقد عادوا إلى دول الاتحاد السوفيتى سابقا أو إلى أوروبا.وبإمكان الإرهابيين من دول الاتحاد السوفيتى السابق أن يسافروا بسهولة أكبر بكثير من العرب الذين يحملون جوازات سفر عراقية أو سورية أو يمنية.ولقد تجاوز الزمن طريقة تفكير الغربيين فى ما يتعلق بالإرهاب القادم من الشرق الأوسط، وفق فيرا ميرونوفا، التى ترى أنه مع تغير موقع الإرهاب، يتعين على الولايات المتحدة وحلفائها تحديث استراتيجياتها لمحاربة الإرهاب.وخلال العقدين الماضيين، ركزت واشنطن على الإرهاب فى الشرق الأوسط حيث صرفت الملايين من الدولارات لإيجاد وتدريب الباحثين والمحللين الناطقين بالعربية فوفقا للبيانات الواردة من برنامج اللغات الضرورية الذى تديره الحكومة الأمريكية، من بين ٥٥٠ طالبا جامعيا سيتم قبولهم فى عام ٢٠١٩، هناك ١٠٥ طلاب يدرسون اللغة العربية و٦٠ فقط سيدرسون الروسية.ويقول أساتذة مدارس السياسة العليا، مثل كلية هارفارد كينيدى ومدرسة جون هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة ومدرسة بوش للخدمات العامة والخدمة العامة فى تكساس، إن الغالبية العظمى من طلاب الجامعات الذين يريدون العمل فى مكافحة الإرهاب لا يزالون يدرسون دراسات الشرق الأوسط واللغة العربية، مقابل عدد قليل من المتخصصين فى وسط آسيا.وإعادة توجيه تركيز الغرب لمحاربة الإرهاب تتطلب إيجاد طريقة تعاون بين الولايات المتحدة وبين روسيا وغيرها من جمهوريات الاتحاد السوفيتى سابقا.وكانت الشركات الأمريكية قد نجحت على مدى السنوات الماضية فى إزالة الدعاية المتطرفة من منصات التواصل الاجتماعى فى الولايات المتحدة، لكن نفس الدعاية لا تزال متاحة على نطاق واسع على التطبيقات باللغة الروسية مثل «فى كي» و«أو كي» المنتشرة فى دول الاتحاد السوفيتي. وأصبح تطبيق «تليغرام»، الذى أسسه مواطن روسي، أداة تواصل رئيسية للإرهابيين من جميع الخلفيات.ومن ناحية أخرى، تبين للأجهزة الأمنية أن الهواتف المحمولة التى تمت مصادرتها من عناصر تنظيم الدولة الإسلامية كانت تعمل بشرائح أوكرانية.هذه المعطيات تؤكد أن مراقبة هذه الأنظمة وغيرها تتطلب تعاونا عميقا ومشاركة فى المعلومات الاستخبارية مع روسيا. وهذا الأمر يطرح تحديات سياسية، إذ لا يبدو هذا التعاون الضرورى مرجحا فى المستقبل القريب بسبب العداء بين واشنطن وموسكو.كما تقف مشكلة نوعية المعلومات الاستخباراتية عائقا إضافيا أمام تحقيق التعاون بين الولايات المتحدة وروسيا، فالكثير ممن ينتهى بهم المطاف فى قوائم المراقبة الإرهابية المحلية وفى قوائم الإنتربول فى جميع أنحاء المنطقة هم فى الواقع أعضاء فى المعارضة الداخلية.وفى الوقت ذاته فإن الكثير من الإرهابيين المعروفين لا يتم إدراجهم على القوائم. ومعروف أن روسيا تقدم جوازات السفر للمتطرفين من القوقاز؛ بحجة أن جعلهم يغادرون البلد أسهل من التعامل معهم فى داخلها.وأصبحت المعلومات الاستخباراتية من المنطقة مسيّسة إلى حد كبير، وتستخدم فى انتهاك حقوق الإنسان للمواطنين المتدينين أكثر من إيقاف الهجمات الإرهابية الحقيقية، ما يجعل من الصعب معرفة ماذا يمكن للولايات المتحدة أن تفعل بمثل تلك المعلومات.وتقر فيرا ميرونوفا بأن البلدان الغربية تأخرت فى إدراك هذا التحول فى مجال الإرهاب، حيث تؤكد أن الولايات المتحدة وحلفاءها يحتاجون إلى إدراك أن الهجمات المستقبلية من المرجح أن تأتى من الشرق أكثر من الشرق الأوسط، وأنه لا يوجد خيار آخر سوى التعاون مع روسيا وجيرانها لوقف تلك الهجمات.وفى حال فشلت واشنطن فى التعاون مع موسكو، تحذر ميرونوفا من احتمال التداعيات السلبية لذلك؛ إما بزيادة الهجمات على الولايات المتحدة وإما بظهور مجموعة إرهابية جديدة من دول الاتحاد السوفيتى فى إحدى مناطق الحروب العديدة فى العالم.

مشاركة :