لم أتعاطف يوماً مع العسكر الباكستانيين الذين تولوا رئاسة الوزراء، خاصة في الحقبة الأخيرة التي أعقبت إعدام ذو الفقار علي بوتو في 1979، لسبب بسيط جداً هو أنهم كانوا يستخدمون الجيش عندما تستعصي عليهم الديموقراطية، فضياء الحق الذي تحالف آنذاك مع الإسلاميين ثم انقلب على بوتو وأعدمه ثم تخاصم مع الإسلاميين وأسموه بعدها (الإسلاميين العرب) «ضياع الحق» أحد هؤلاء، نهاية بالجنرال برويز مشرف. بعد ضياء الحق أتى رؤساء عدة، لكن الملفت حقا هما نواز الشريف وبرويز مشرف ومعهما بينظير بوتو وزوجها آصف علي زرداري، فعلى مدار أكثر من 25 عاماً تبادل هؤلاء السلطة والسجن والأحكام القضائية كأنما خلت باكستان إلا منهم. كان مثيرا للدهشة والطرافة أنه عندما يصل أحدهم إلى دفة الحكم فإنه يسجن سلفه بتهمة الفساد، ثم لاحقا تتم صفقة ما وتخلى ساحته بريئاً كما ولدته أمه، على أن الخاسر الأكبر في كل المآسي التي دارت في تلك الأجواء السياسية «الملبدة بالغيوم» هي عائلة بوتو التي ذهب ذووها ضحايا، من رئيس الوزراء الأسبق ذو الفقار علي بوتو إلى رئيسة الوزراء السابقة بينظير بوتو وبينهما اغتيال اثنين من إخوتها. عدم التعاطف أعلاه لم يمنعني من الإعجاب برد فعل رئيس الوزراء السابق لباكستان برويز مشرف عندما تعامل معه الناشطين الغربيين باستعلاء في ندوة تم التطرق بها عن ابن لادن، فقبل أيام انتشر مقطع قديم أو جزء منه عن ندوة يحاور فيها ناشطون غربيون برويز مشرف، متسائلين بسخرية وتشكيك عن مدى معرفته بتواجد ابن لادن إبان أن قتلته القوات البحرية الأميركية، وعندما أجابهم بجهله عن مكان تواجده لم يصدقوا نفيه، متسائلين كيف لشخص مثل ابن لادن أن يختبئ في منزل مدني كبير قريب جداً من الاستخبارات ومواقع حساسة ولا يعلم به الباكستانيون؟ مشرف أجابهم «إنني أتفق أن للاستخبارات الباكستانية أخطاءها، لكن السؤال كيف بالمقابل أن الاستخبارات الأميركية أخفقت باكتشاف تواجد 18 شخصا في 11 سبتمبر أتوا وتدربوا لأشهر عدة، ثم اختطفوا أربع طائرات ووجهوا ضربات للبنتاجون ومركز التجارة الدولي؟». أيهما يا ترى المتآمر أو المغفل أو المخفق هنا أو أيهما أكبر سقوطاً: الاستخبارات الباكستانية أم نظيرتها الأميركية؟ ما حدث في 11 سبتمبر من كارثة راح حصادها كثير من الأبرياء وصمة ولطمة لن تنساها الاستخبارات الأميركية أبداً، فهي كشفت أنهم «نمور من ورق»، فلا مبرر مقنع إطلاقا يوضح كيف تم ما تم من دون أدنى علم لديهم أو معرفة أو شك؟ لا أميل إطلاقا إلى اتهامات تناثرت في أماكن مختلفة من العالم أن هناك تآمرا داخل أميركا أو أن الاستخبارات كانت تعرف بما سيحدث أو أنها أسهمت فيه أيضا، على اعتبار أن ذلك سيمنحها المبررات الكافية أن تطارد ابن لادن في كل بقعة من العالم متى ما أرادت، أقول لا أميل ليس لنقاء الاستخبارات الأميركية، ولكن لأن الأميركيين لا يجرؤون على صنع جريمة كهذه داخل بلادهم، بل هم يصنعونها في دول العالم الأخرى من دون أن يرف لهم جفن. معضلة الساسة الأميركيين وحتى إعلامييهم أنهم ينظرون إلى العالم من خلال أنهم مركزه، وهم وإن سلمنا بقوتهم الهائلة فإن هذه العجرفة لن تقيهم الزلل والوقوع في مصائب حتى وإن تجاهلوها. في الأخير، ربما كانت الاستخبارات الباكستانية تعلم آنذاك بتواجد ابن لادن وهو الأغلب، إلا أن مشكلة أميركا الرئيسة هي أنها تتعامل مع الدول الأخرى كعلاقة رئيس بمرؤوس وتنتظر منهم السمع والطاعة من دون أن تضع في حساباتها أن الاستخبارات الباكستانية لها أجندتها الخاصة، وسبق أن اتهمت بينظير بوتو في مذكراتها أسامة بن لادن بتمويل الاستخبارات الباكستانية (الذي تربطه بها علاقات وثيقة) بمبلغ 10 ملايين دولار ليشتروا بها ولاء برلمانيين مساندين لبوتو لكي ينقلبوا ضدها عام 1989، خاصة أن هذه الاستخبارات تعلم يقيناً أن الأميركيين يبيعون حلفاءهم في أقرب مناسبة إذا كانوا يرون في ذلك مصلحة لأميركا. @abofares1
مشاركة :