د. ظافر العجمى: سردية منفتحة على أكثر من معنى

  • 1/16/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

كاقتباس مبهم منفتح على أكثر من معنى، سأكتب لكم سردية أندلسية، كانت ضمن اهتمامات لها حضور دائم في ذهني، محورها أن كل حدث رئيسي ملزم بترك أثر في الجغرافيا، وبتشكل دول جديدة. ففي الصيف الماضي، دخلت قاعة بني السراج «Abencerrajes‏ Sala de Los‏» في قصر الحمراء في غرناطة بإسبانيا، كانت القاعة مستطيلة 12م × 8م أرضها رخام، ولها قبة عالية، وفي وسطها نافورة مستديرة، ونوافذ يدخل منها النور بطريقة مبهجة، لكنها مصفرة الألوان كابتسامة مذنبة تعلقت بضمير صاحبها، ولمَ لا؟ فقد شهدت القاعة حفلة غرائزية غير مسبوقة إبان حكم السلطان أبوالحسن علي بن سعد 1464-1482، حيث لا تزال بقع دامية داكنة في قاع الحوض، تأبى الزوال -على الرغم من تكرار الغسل والتنظيف- شاهداً على ما حدث، بل وأقسم حراس للقاعة من الإسبان بأنه لا تزال تُسمع في بعض الليالي أنّات وقرقعة سلاح، وأن كثيراً من حراس القصر لمحوا جنوداً مسلمين في ألبستهم العربية يقطعون بهو السباع جيئة وذهاباً، من وإلى قاعة بني السراج، فقد أعد السلطان أبوالحسن وليمة ضخمة، دعا إليها كل أكابر بني السراج، وكلما دخل فرد من أفراد الأسرة إلى القاعة، يبادر السياف بذبحه على حافة الحوض الرخامي، حتى قتل جلة فرسان وزعماء بنى سراج وأُغلقت أبوابها. لنكبة بنى سراج أسباب عاطفية، فقد هام محمد بن سراج عشقاً بأميرة من الأسرة المالكة اسمها الفاهمة -هي أصل منظر عازف الجيتار الذي يغني تحت شباك حسناء في الليل- مما أثار عليه غضب السلطان، فقرر سحق الأسرة كلها ودبّر مؤامرة لقتلهم، كما أن لها أسباباً خارجية، فقد تمتع يوسف بن سراج بنفوذ قوي وصل عقد صفقات سرية مع ملوك قشتالة، وتدخلهم في تولية أمير بوساطة من بني سراج، وقيل بل هي من نسج حريم القصر، فقد كان أبوالحسن متزوجاً بابنة عمه الأميرة عائشة الحرة، ثم تزوج وهو كهل من القشتالية إيزابيلا دي سوليس الملقبة بالثريا -سترتد عن الإسلام هي وأبناؤها بعد السقوط- فحدثت زوبعة سياسية داخلية هزّت أرجاء البلاد المتهالكة، فقد نشب خلاف بين المرأتين على ولاية العهد، فقد كانت كل واحدة تريد أن يستأثر أحد أبنائها بهذا المنصب، وفي هذا الصراع أيّد بنو سراج الأميرة العربية عائشة الحرة وابنها المنحوس أبا عبدالله الذي سقطت الأندلس على يده، بينما وقفت إلى جانب الأميرة ثريا عائلة أبي القاسم ابن فينيجاس وزير السلطان أبي الحسن، وأقنعوه بأن زوجته عائشة الحرة تدبر له أمراً مع أسرة بني سراج، فقام بسجنها مع ابنها أبي عبدالله، ثم قام أبوالحسن بتنظيم مذبحة بني السراج. بالعجمي الفصيح: من المأثورات أن أولئك الذين لا يستطيعون تذكر تاريخهم محكوم عليهم بتكراره. ————————————– د. ظافر محمد العجمي

مشاركة :