التعليم أوَّلاً | محسن علي السُّهيمي

  • 2/11/2015
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

استعينوا بالذاكرة، وعودوا للوراء عَقدين من الزمان، ودققوا في مستوى التحصيل الدراسي للطلاب، ودرجة إتقانهم، واستفادتهم من المادة العلمية، وأثرها على سلوكهم. ثم قارنوا ذلك بمستوى التحصيل الدراسي لطلاب اليوم ودرجة إتقانهم واستفادتهم من المادة العلمية وأثرها على سلوكهم. الحصيف يدرك للوهلة الأولى أن البَوْنَ بين الجيلين شاسع، وأنه تأتَّى نتيجةً طبيعيةً لانشغال معلمِي الأمس بالتعليم وحده، فلم تصرفهم عنه علائق علقت به مؤخرًا وحادت به عن هدفه. فمنذ عقد من الزمان أُلحِق مصطلح (التربية) بالتعليم ليصبح شريكًا له بل متقدمًا عليه في المكان والمكانة، هذا بدوره أحدث انقلابًا كبيرًا في مفاهيم القائمين بأمر التعليم، وهو ما جعل مصطلح التربية (يطغى كثيرًا) على مصطلح التعليم حتى تحولت العملية التعليمية بحجة التربية إلى سيل من (المثاليات) أتت فيما بعد بنتائج مغايرة؛ فأصبح الطالب في ظل هذه التربية جوهرة مصونة لا تقبل حتى النقد. هذا بدوره أدى إلى ضعف ظاهر في تحصيل الطلاب - بغض النظر عن درجاتهم المتورمة اليوم- تعود سببيته لانصراف المعلم وتركيزه على الجوانب التربوية على حساب المادة العلمية، ولا لوم عليه فالوزارة والمجتمع (عاوزين كدا). بالأمس صدر القرار الملكي بدمج وزارتي (التعليم العالي والتربية والتعليم) تحت وزارة واحدة بمسمى (وزارة التعليم) وكم أسعدني هذا المسمى؛ لأنه - برأيي- سيضع حدًّا لميلانٍ حادٍّ كاد أن يذهب بالتعليم مذاهب شتى، ويخرجه عن هدفه الرئيس. مفردة التربية لازمت العملية التعليمية -مسمًى وتطبيقًا- قرابة عقد من الزمان منذ أن تغير مسمى الوزارة من (وزارة المعارف) إلى (وزارة التربية والتعليم)، ولازمتها قبل ذلك -تطبيقًا دون مسمًى- قرابة العقد، حتى كان من ثمار هذه الملازمة أن رأينا تدنِّيًا واضحًا في المستوى التحصيلي للطلاب، رأينا حالات قتل واعتداءات تطال المعلمين، رأينا كيف أن مصطلح التربية تحوَّل من التركيز على تهذيب سلوكيات الطالب واتباع الطرائق المُثلى في إيصال المادة العلمية له إلى التركيز على سلوكيات القائمين على العملية التعليمية، حتى (اضطُرَّ) المشرف التربوي اضطرارًا -وهو معذور- لركوب الموجة؛ فانصرف عن هدفه من الزيارة المتمثل في التعرف على مدى إلمام المعلم بمادته العلمية والجديد فيها وفي طرائق تدريسها، ومدى إتقان الطلاب لها، واكتسابهم لمهاراتها، إلى أمور أخرى كالتركيز على مقدار أبوَّة المعلم مع طلابه، ودرجة تلطفه معهم، ومدى تقبُّلهم له، والإشادة بتقديم المعلم للهدايا، وإسداء عبارات الإطراء لطلابه بحجة أن هذا هو الأسلوب التربوي الواجب على المعلم اتباعه ليخلق جوًّا من الأمان لدى الطالب ليستطيع بلع ومن ثَمَّ هضم المادة العلمية العسيرة. أما إتقان المعلم لمادته وجودة أدائه ودرجة استيعاب الطلاب لها وتمكنهم من مهاراتها ومدى التزامهم بآداب المتعلم فتأتي - تحت تأثير موجة التربية العاتية- في مؤخرة اهتماماته. لا ننكر أن التربية مطلب ضروري، ولكن ما لا يمكن إنكاره أنه بالإمكان اكتسابها في مَواطن مختلفة، وليس شرطًا أن تُكتسَب على حساب التعليم وحده، ولذا فعندما تكون التربية (الهم الأكبر) للعملية التعليمية فهذا يعني الغياب التام للتعليم والتعلُّم، وتدني جودة المُخرَج. وهذا أشبه بمن ينقطع -كليًّا- للتبتُّل ويترك العمل وعمارة الأرض بحجة (تربية النفس). ولذا ينبغي أن يكون شعارنا من اليوم هو: (التعليم أوَّلاً). ولا أظن تغيير المسمى إلا يشي بتوجهٍ جديدٍ نحو الاهتمام بالتعليم والتركيز عليه، بعد أن تاه في زحمة التنظير ومعركة المصطلحات والمفاهيم؛ حتى تعود للعِلْم قيمته، ويمتد نفعه ويبقى أثره، وهذا لا يتحقق ما لم يُصحَب التعليم بالحزم والضبط والثواب والعقاب لركنَي العملية التعليمية (المعلم والمتعلم) وليس المعلم وحده كما هو حاصل اليوم بسبب فهمنا المضطرب للتربية. Mashr-26@hotmail.com

مشاركة :