يظل التاريخ أحد أهم مناهج العلوم الإنسانية، التي لم يتم الاهتمام بها على الصعيد المعرفي حتى اليوم، بل لم يحظَ الدارسون له بأي اهتمام ضمن إطارات الحقول المعرفية والوظيفية كذلك، حتى صار الالتحاق بقسم التاريخ يُمثِّل حالة من حالات الإخفاق، أو لنقل تخفيفاً، يمثل خياراً أخيراً يلجأ إليه الطالب حين تُغلق أمامه جميع الأبواب. هذا هو السائد اليوم للأسف الشديد، ولست في وارد تبرئة الأقسام ذاتها من بلوغ هذا المنحى من السوء، لكونها لم تهتم بتطوير آليات قراءة التاريخ عما ترسّخ في الذهن، بحيث ظل محصوراً في حفظ كمّ كبير من التواريخ والأحداث والمعارك، وكأن ذلك هو التاريخ وحسب، دون أن يهتم كثير من الأساتذة بتطوير أسس قراءة التاريخ، ومعرفة حيثياته المعرفية بوجه عام. ذلك أن الدارس للتاريخ معني بتحليل الحدث التاريخي، وإعادة قراءته وفق ما يتوفر لديه من معطيات سياسية واقتصادية واجتماعية وكذلك نفسية، ليتمكن من ترتيب أجزاء المشهد بما يتوافق وواقعه، وطبيعته الذي بُني عليه بشكل كبير. بهذا النهج العلمي تتغير وظيفة الدارس للتاريخ، ليصبح قارئاً للمشهد أكثر من كونه حافظا للمعلومة، التي لا غنى عنها، بعد أن يقوم بتمحيصها وتدقيق تفاصيلها، ونفض ما علق بها من غبش أو إضافة غير دقيقة، ناهيك عن مبالغات بعض الرواة ممن يصدق عليهم قول قائلهم: وما آفة الأخبار إلا رواتها. ذلك هو المنهج العلمي الصحيح لدراسة التاريخ، وهو المنهج الذي نشأ عليه عدد من أساتذتنا الكبار، الذين عملوا على سبر أغوار كثير من المخطوطات، متأملين في دقائق تفاصيلها، بحثا عن معلومة هنا وفائدة هناك، وعاملين على إخراج جوهر كنهها بالشكل العلمي السليم. ومن أبرز أولئك أستاذنا الدكتور سليمان عبدالغني مالكي، الذي تم تكريمه مؤخرا من قبل اتحاد المؤرخين العرب في أكتوبر من العام المنصرم 2014م ضمن ندوة تاريخ الوطن العربي عبر العصور، بوصفه أحد شوامخ المؤرخين العرب. ولعمري كم هو جدير بذلك التكريم المستحق، الذي لم يشاركه فيه أحد من أساتذة الجامعات السعودية في ذات العام. بقي أن أشير إلى أن كبرى الأمم وأهمها سياسيا واقتصاديا وعسكريا، تُولي دراسة التاريخ أهمية قصوى في مناهجها المعرفية، بل ويحظى دارسوه بكثير من الاهتمام الوظيفي، ويكفي أن أقول إن زميل ابني في غرفته الجامعية بجامعة لويسفيل بالولايات المتحدة الأمريكية حاليا، شاب أمريكي يدرس في قسم التاريخ لنيل درجة البكالوريوس في تخصص تاريخ الشرق، وتحديدا التاريخ الياباني منه. zash113@gmail.com