«العسكر» ومصداقية المؤرخ | زيد علي الفضيل

  • 6/11/2015
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

وقفتُ مؤخرًا على كتاب: «كتابة التاريخ في المملكة العربية السعودية: العولمة والدولة في الشرق الأوسط» لمؤلفه يورك ماتياس ديترمان، وهو في أصله أطروحة لنيل درجة الدكتوراة من مدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية بجامعة لندن، وحاز على جائزة الجمعية البريطانية للدراسات الشرق أوسطية كأحسن أطروحة علمية عن الشرق الأوسط في سنته. في هذا الكتاب، الذي زادت قيمته بترجمة وتعليق أحد أبرز المؤرخين السعوديين وهو الأستاذ الدكتور عبدالله بن إبراهيم العسكر، يمكن للدارس أن يلحظ بُعدًا منهجيًّا مُميّزًا، وفق رؤية علمية تقوم على التحليل، وترتكز على أدوات البحث العلمي الجادة. وأذكر كيف جال الدارس ديترمان بين الرياض وجدة، مستقصيًا مادته العلمية بشكل تفصيلي ومُحدد، وتلك هي سمة الباحث الجاد بالدرجة الأساسية. على كل فإن تقصي أسلوب الدارس ومنهجه متاح لكلِّ مَن يطّلع على الكتاب، لكن ما أثارني هو منهجية أستاذنا الدكتور العسكر في نقل المعلومة بشكل دقيق، وبأسلوب لغوي راقٍ، حتى كأنك تقرأ كتابًا صُنّف في أساسه بالحرف العربي. وواقع الحال فقد يكون ذلك أمرًا واجبًا ومُحتَّمًا على كل باحث يَعمد إلى ممارسة فعل الترجمة والتعليق المعرفي، وإن كان واقعًا لم يعدْ يتم بشكلٍ دقيق، إذ يستشعر القارئ وهو يقرأ عديدًا من الأبحاث المترجمة، نَفَس المترجم فيها وتوجهه الثقافي، ناهيك عن تلمسه في عديد من تعليقات بعض المترجمين طغيان رؤيتهم الأيدلوجية والسياسية والاجتماعية بصورة غير علمية للأسف الشديد، وهو ما يُفقد أي عمل معرفي مصداقيته، ويدعو إلى إثارة الكثير من علامات الاستفهام السلبية عليه. وليت الأمر يتوقف عند حدود ذلك، بل تجد البعض يُغرق في إظهار ذاته بمختلف السُّبل، فتجده يَعمد إلى الإشارة مع كل شاردة وواردة إلى نفسه، ممّا يثقل على القارئ النَّهم، ويُكدِّر من صفو تأمله. لهذا وبحكم أن الدكتور العسكر من أولئك الباحثين الجادين فقد حرص على أن يتفادى ذلك بشكل دقيق، حيث أبان في مقدمته بأن من منهجه أن لا يثقل الكتاب بالإشارة إلى ذاته في الهامش، مع قيامه بتصحيح عناوين الكتب والرسائل وبعض التواريخ، وإضافة التصلية والتسليم على نبينا، إلى غير ذلك، والأهم من ذلك كامن في تلك الذهن العلمية الشفافة، التي كشف عنها الدكتور العسكر بقوله: «إن الأمانة العلمية هي التي تحدونا لنقول بصريح العبارة أسلوب التحرير الذي اتبعناه». وكان قد أشار إلى قيامه مع المؤلف بحذف وتعديل بعض العبارات الصادمة للتناول الأكاديمي. إنها المصداقية والمنهجية العلمية التي نخشى فقدانها مع تطفل العديد من أنصاف المثقفين على مشهدنا المعرفي. zash113@gmail.com

مشاركة :