فرسان حقبة الأزمة المالية العالمية يمررون خبراتهم للجيل المقبل من مسؤولي الأجهزة التنظيمية. تكرر الأمر مرارا عبر تاريخه الوظيفي، الذي شهد اضطرابات مدوية: أزمة البيزو عام 1994، والأزمة الآسيوية عام 1997، وأخيرا الحدث الكبير الأزمة المالية العالمية عام 2008. في كل مرة يتقلد فيها منصبا حكوميا جديدا كان تيموثي جايثنر يأمل أن يجد رسالة من سلفه يشرح فيها ما يجب عليه القيام به، وإلى من يمكن أن يلجأ إذا تدهورت الأوضاع. ولكنه كان يجد درج المكتب خاويا في كل المرات. يقول تيموثي جايثنر: "ربما تكون الأزمات المالية أكثر الأحداث تدميرا للاقتصاد في أي بلد"، وقد كافح جايثنر آخر حريق من هذا النوع عندما كان رئيسا لبنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، ثم وزيرا لخزانة الولايات المتحدة في وقت لاحق؛ ولذلك يقول "أود أن نترك للكوادر المقبلة قاعدة معرفية أفضل". ومن هذا المنطلق، يخصص جايثنر بعض الوقت كل صيف بعيدا عن عمله كرئيس لشركة ووربرج بنكس الخاصة للاستثمار في الأسهم؛ للمساهمة في تدريس حلقة تطبيقية عن إدارة الأزمات، تنظم على مدار أسبوعين للأجهزة التنظيمية حول العالم، وهي جزء من برنامج جامعة ييل المعني بالاستقرار المالي، الذي يمنح درجة الماجستير أيضا، ويضطلع بمشروع طموح لإعداد ما لم يجده جايثنر قط في مكتبه الجديد، ألا وهو دليل عملي لمديري الأزمات. ويقول آندرو متريك، أستاذ العلوم المالية في جامعة ييل، الذي أنشأ البرنامج، ويتولى إدارته "لطالما كررنا الأخطاء نفسها عند مكافحة الأزمات المالية في فترات مختلفة، لمجرد عدم وجود أي قاعدة معرفية، قام الناس بدراستها ومناقشتها معا. إنه أمر يشبه حالة الطبيب الذي يقول لك حين تذهب إلى غرفة الطوارئ "يبدو أن ذراعك قد كسرت، وأعتقد أنني رأيت أحدا ذات مرة يعالج ذراعا مكسورة بطريقة ما". وكان متريك واحدا من أطباء غرفة الطوارئ المالية. فبعد، انهيار بنك ليمان براذرز بستة أشهر في أيلول (سبتمبر) 2008، تلقى مكالمة من إدارة الرئيس الرئيس الأسبق أوباما؛ حيث كانوا في أَمَسِّ الحاجة إلى متخصص في الاقتصاد المالي. وهكذا انتقل متريك إلى واشنطن لينضم إلى عضوية مجلس المستشارين الاقتصاديين. وبصفته كبيرا للاقتصاديين هناك، ساعد على وضع برامج لإنعاش سوق الإسكان والسوق المالية، وعندما حان وقت اقتراح تشريع في هذا الخصوص، اكتشف أن الأبحاث الأكاديمية لم تكن لها فائدة كبيرة. يقول متريك: "لم تكن هناك رابطة حقيقية وثيقة بين المعرفة الأكاديمية والحدس الاقتصادي، وما يمكن أن نضعه في القانون بالفعل؛ نظرا لعدم وجود أي قاعدة بحثية جيدة. وقد عقدت العزم على أن أحاول المشاركة، عند عودتي إلى المجتمع الأكاديمي، في أي جهد من شأنه المساعدة على سد تلك الثغرة". وكانت هذه النشأة الأولى لبرنامج جامعة ييل المعني بالاستقرار المالي، الذي انطلق عام 2014 بتبرعات قدمتها جهات من بينها مؤسسة ألفريد سلون، وقد انضم إليه جايثنر بعدها بفترة قصيرة، فبدأ التدريس وجمع المساهمات، كما تولى رئاسة المجلس الاستشاري، الذي ضم محافظين سابقين لبنوك مركزية، مثل: بن برنانكي محافظ بنك الاحتياطي الفيدرالي، وأوجستن كارستنز محافظ بنك المكسيك، وزيتي أخطر عزيز محافظة بنك ماليزيا. تركيز عملي وبمنظور جديد لما يجب التركيز عليه، انضم جايثنر إلى ما أصبح معروفا باسم "مشروع باجهوت الجديد لمواجهة الأزمات" على اسم والتر باجهوت الاقتصادي البريطاني، الذي عاش في القرن الـ19، وألّف كتابا عنوانه "شارع لومبارد .. وصف لسوق المال"، وهو بمنزلة مرجع موثوق لحراس الاستقرار المالي. ويقوم الباحثون العاملون في المشروع، وعددهم 14 بتجميع دراسات حالة للإجراءات التي سبق اتخاذها في مواجهة الأزمة المالية العالمية وأزمة اليورو التالية لها، وهم يخططون في النهاية لدراسة حالات الهوس والذعر السابقة، بالرجوع إلى "فقاعة بحر الجنوب" في القرن الـ18...يتبع.
مشاركة :