الحرف العربي.. لغة ساحرة تلامس البصر

  • 1/26/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

الشارقة: عثمان حسن ركزت كثير من الدراسات التاريخية واللغوية على الحرف، بوصفه المفردة الأساس في الخط العربي، حيث كانت تذهب نحو ما يعرف بالمنطق الجمالي لهذا الخط العربي، وهو منطق فلسفي وفكري، له قراءاته الخاصة ذات الروحية العالية، وهو بالتأكيد ما يجعلنا مطمئنين إلى ميزات هذا الخط، في اختباره لمساحة شاسعة من الفنون التي تحاكي مجمل التجربة الفكرية والجمالية المعاصرة. هذا التحدي الكبير الذي استقبله معظم الخطاطين، بدا واضحاً في تلك الاقتراحات التشكيلية والبصرية التي دخل فيها الخط كمكون جمالي وفكري، في «الحروفية» وفي «النحت» وفي الأشكال الهندسية والزخرفية، وفي كافة مصادر الإبداع الجمالي التي وفرتها التكنولوجيا، من استخدامات الضوء، وانعكاسات الشفافية على سطح اللوحة، واقتراحات البعد الثالث والرابع والخامس..الخ. إن المصادر المتنوعة لهذه الجماليات، إنما تعود بالأساس لمنطق الخط ذاته، ذلك الذي حافظ على أصوله، بذات المستوى من قدرته على محاكاة كافة المقترحات الجمالية، التي تفيد في توفير مشتركات إنسانية، تثري روح المبادئ والأفكار الخلاقة التي تدعو إلى المحبة والخير والتسامح. مصادر الجمال في الحرف العربي، وفي الخط العربي، باتت معروفة من خلال تلك الخصائص التي تميز شكل الخط عن غيره من الخطوط، هي سلسلة من الميزات والخصائص التي تتوزع على الثلث، والنسخ، والكوفي، والديواني وأنواعه المختلفة، وهي بكل تأكيد ما وفرت لهذه العناصر مجتمعة أن تكون حاضرة في محراب الخط، وقدرته على المحاكاة، واقتراح جماليات لا حصر لها في الفنون البصرية والتشكيلية. بقراءة بعض التجارب المشاركة التي وظفت جماليات الحرف العربي في مهرجان الفنون الإسلامية الذي اختتمت فعالياته مؤخراً، يمكن التوقف عند بعض هذه النماذج، منها تجربة «الحرف الخالد» للخطاط محمد النوري «العراق»، حيث أنجز تصاميم خطية هندسية جاذبة، طوع من خلالها بعض النصوص، بإيقاع بصري جميل، من خلال «الحلية» بخط الثلث والمحقق، حبر وذهب على ورق طبيعي، و كذلك من خلال لوحة ثانية بعنوان «الوطن هو الروح والفخار والحياة» وهي من أقوال المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وأيضا «اللوحة الجامعة»، حبر وذهب على ورق طبيعي،... وغيرها. في هذه التجربة، يمكن فهم طاقة الحرف، بوصفها طاقة مولدة تحث على التفكير، والتأويل، والفهم، وهو الذي ينسجم تماماً مع قدرة هذا الحرف على التجديد والحث على القراءة الواعية، وهو ما وظفه محمد النوري، من إيمانه بأهمية التراث الخطي وقدرته على الحوار وتوليد طاقة إيجابية من الفهم والإدراك. في ذات الإطار، يمكن النظر إلى تجربة «جماليات الحرف» لكل من زياد المهندس وسامان كاكه.. حمل العمل المشترك لهذين الخطاطين كثيراً من السمات الإبداعية، في استخدام آيات من القرآن الكريم ك «سورة تبارك» و «آية الكرسي» وهو الذي أكد على فتنة وسحر الخط، بأسلوبه التقليدي، تنزع هذه التجربة المشتركة نحو تقديم منظور بصري، كمحاولة لإثراء جماليات الخط العربي، مع تشكيلاته الهندسية المختلفة. يمكن رصد جماليات الحرف في تجربة الخطاطة الإماراتية فاطمة الحمادي التي تحول الحروف إلى لغة بصرية مبهرة، وذلك بنزوعها إلى التجريب، اللون في تجربة الحمادي، هو مكون أساسي في جماليات اللوحة، كما يظهر في لوحة «جوهرة حروفية» التي يختلط فيها الحرف مع اللون، في ضوء فلسفة تضيف إلى المنجز الحروفي، وتقرأ الحرف ممهوراً بطاقة عالية، تحفز على القراءة والتأمل. وهو أيضاً، ما نكتشفه في تجربة الإماراتية فاطمة الظنحاني التي تستثمر براعة إتقانها للخط مع الزخرفة الإسلامية، و عند مريم البلوشي في لوحة «أيها الشاكي وما بك داء كن جميلا ترى الوجود جميلا» هنا، استثمرت البلوشي جمال الخط في تصميم هندسي هرمي مزين بكثير من التشكيلات والامتدادات والزوائد الحروفية الموظفة ببراعة، فيما انقسم جسد اللوحة الحروفية عندها باللونين الأخضر والبني. وفي تجربة تكاد تكون مغايرة، وتميل إلى الزخرفة والتزيين والتصاميم والأشكال الهندسية، التي تجمع ما بين المربع والهرم والمستطيل والدائرة، يبدع د. أحمد مصطفى (مصر) عدة تجارب حروفية، الحرف هنا، يتداخل مع كافة المكونات الجمالية التي يقترحها د. مصطفى، كما في «خريطة الطريق إلى الكنز الخفي» وهو يستمد لوحاته من فناني عصر النهضة، فيمنحها قوة وتوهجاً وإبهاراً، كما يبدع تكوينات مجردة، تستند في معظمها إلى آيات من القرآن الكريم، وهو يهدف إلى استخدام طاقة الحرف لإقامة جسور تفاهم واحترام متبادل عن طريق الفن، ولوحاته عبارة عن مزيج فني يستند على لغة بصرية تجمع بين مهارات التصوير والخط. وبالاستناد على الخط والزخرفة أيضا، يميل مصطفى العبيدي من العراق إلى تقديم رؤى بصرية لافتة، انطلاقا من الشكل الهندسي، الدائرة في أعماله بدلالاتها الروحية في المنظور الإسلامي، تشكل أرضية أساسية في مجمل لوحاته، حيث يقدم سلسلة من نحو 25 عملاً في «مهرجان الفنون الإسلامية» تحمل دلالة تراثية إسلامية واضحة، حيث يستخدم حشوات زخرفية تعبر عن مضمون الشكل (بوصلة، أقواس، دوائر) بأسلوب مبتكر وجديد.

مشاركة :