عبدالله عمران ..حكايات لا تنسى

  • 1/30/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

كانت للمرحوم الدكتور عبد الله عمران تريم، الكثير من المواقف الإنسانية والحكايات التي لا تُنسى، عكست شخصيته المهنية الحكيمة، والأبوية العطوفة، وطبيعته الودودة، وحرصه على إسعاد الجميع، وتوازنه في تعاملاته، وفي الوقت ذاته تحقيق الصالح العام، ومن بعض القصص عنه التي يرويها حضورها وأبطالها.ولا تنتهي القصص والمواقف التي مرت بكثيرين مع الراحل عبد الله عمران، لكننا رصدنا فقط غيضاً من فيض، ويبقى الترحم عليه، والدعاء له بالمغفرة، ونقدم بعضاً من القصص التي مرّ فيها الراحل عبدالله عمران، كما يرويها بعض من عاصروه: شخصية العام عام 2010، تم اختيار الدكتور عبد الله عمران تريم، شخصية العام الإعلامية في حفل ختام منتدى الإعلام العربي، وسلمه خلالها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله»، راعي الحفل جائزة الصحافة العربية تقديراً لعطائه الوفير للصحافة الإماراتية، والصحافة العربية طوال أربعين عاماً وحتى وفاته في 30 يناير 2014. وللدكتور عبدالله عمران تريم، إرث ثقافي وسياسي، تعليمي وتنموي، بالإضافة إلى عدد من المؤلفات حول قيام دولة الإمارات وكثير من الأبحاث، والدراسات، والمنتديات الفكرية، والاقتصادية، والسياسية العربية والمحلية. أمر بإلحاق طالب بالبعثة.. يدرس على نفقته سيف ساعد السويدي الوكيل السابق في وزارة الخارجية: عايشت المرحوم د. عبد الله عمران، حينما كان وزيراً للتربية والتعليم، وكنت ملحقاً ثقافياً في سفارة الإمارات في القاهرة عام 1972، وحينها كان تنسيب الطلبة في الجامعات يتم عن طريق سفارتنا في القاهرة، وكان هناك طالب إماراتي حاول الحصول على بعثة تعليمية من الإمارات للدراسة في القاهرة فلم يوفق، فسافر للدراسة على نفقة ولي أمره، ووقتذاك كان المرحوم عبد الله عمران، يأتي في زيارات رسمية للقاهرة، ووصل لعلم الطالب قدوم الوزير، فجاءني طالباً مساعدته في مقابلته، فلم أمانع، وسجلت اسمه، لأعرضه على المرحوم، وبالفعل أبلغته خلال زيارته للسفارة، فسألني: هل هذا الطالب من طلبتنا المبتعثين؟ فأجبته بأنه أتى للدراسة على حسابه الخاص، لتعثره في الحصول على بعثة، فطلب استدعاءه، وجاء الطالب وشرح للمرحوم ظروف أسرته المادية الصعبة، في ضوء تحملها رسوم دراسته في القاهرة، ومن دون تردد، قال المرحوم: اعتبروه من طلبة البعثة، وإن لم تسمح ميزانية وزارة التربية بذلك، فليدرس على نفقتي وحسابي الشخصي، فالمغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان أوصانا أن نهتم بالطلبة، وبما أن الطالب لم يوفق في الإمارات، فلابد أن يستكمل دراسته، ويحصل على البعثة أسوة ببقية الطلبة، ولم يمض أسبوعان إلاّ واستلمنا موافقة وزارة التربية على ضم الطالب للبعثة، وصرف مخصصاته الشهرية، فكان رحمه الله نعم الأب، وقد تكررت هذه الحالة مرتين، وكان خير مجيب لصاحبيها. نفذ توجيهات زايد بإنشاء جامعة الإمارات فاطمة أحمد عبيد المغني عضو سابق في المجلس الاستشاري لإمارة الشارقة: عام 1974-1975 كنت طالبة في الصف الأول الثانوي في مدرسة جميلة بوحيرد في كلباء، وفي احد الأيام الدراسية، وخلال جلوسي في الصف، لمحت من نافذته، سيارة ماركة «روفر» لونها أزرق فاتح، تدخل ساحة المدرسة، وعقب انتهاء الحصة الدراسية، سألت وزميلاتي عن صاحب هذه السيارة الراقية الجميلة، التي لم تكن دارجة في تلك الأيام، فأخبرونا أن عبد الله عمران وزير التربية والتعليم يزور مدرستنا، فطلبنا مقابلته، لنسأله عن إمكانية فتح جامعة في الدولة، لأن آباءنا كانوا يرفضون سفرنا للدراسة خارجها، سواء في دولة الكويت أو جمهورية مصر العربية، عدا قلة من الطالبات المواطنات وافقت لهن أسرهن على ذلك، وبمجرد أن سألنا المرحوم هذا السؤال، إلا وابتسم بفرحة أب ببناته اللاتي يهمهن استكمال تعليمهن العالي، خاصة أنني أخبرته أن والدي يرفض سفري للدراسة الجامعية، فقال رحمه الله حرفياً «الشيخ زايد لم ينساكنّ، وأمرني أن نبدأ في بناء جامعة الإمارات في مدينة العين، وإن شاء الله ستكون دفعتكن، في أول فصل دراسي يبدأ»، وكان ذلك أمام نبيهه عرفة مديرة المدرسة «مصرية الجنسية»، فقالت بفرحة: «الله أكبر، ما شاء الله، هل فعلا بدأتم في الجامعة؟ فقال رحمه الله: نعم وأبشّر بناتي أنهن سيكنّ من الدفعة الأولى التي ستدخل الجامعة»، وبالفعل افتتحت الجامعة عام 1977-1978، وصدق وعد عبد الله عمران الوزير الإنسان، رحمه الله. سيارة لنقل الطلبة من أم القيوين علي جاسم عضو المجلس الوطني الاتحادي: في العام 1972 كنت أدرس مع نحو 12 طالباً في ثانوية دبي، وبما أنني من إمارة أم القيوين كنت أتوجه يومياً للمدرسة هناك، وكان الشيخ سلطان بن أحمد المعلا مع بداية الحكومة الاتحادية يهتم بطلبة أم القيوين الذين يدرسون في ثانوية دبي، ويتكفل بكل ما يتعلق بهم، إلى أن أنشئت وزارة التربية والتعليم، فأعطونا سيارة لنقلنا للمدرسة، لكنها كانت قديمة، فذهبنا للوزير عبد الله عمران، لنشرح له الوضع، وهو من المعلمين، والوزراء، والمثقفين الأوائل، فقابلنا ببشاشة كبيرة، وقال «أنا حاضر لكم»، وفي اليوم الثاني خصص لنا سيارة جديدة، سهّلت علينا حينذاك مشقة الطريق ووعورته، والحقيقة ربطتنا دوماً نحن الجيل الأول علاقات ثقافية مع بعضنا البعض، رغم اختلاف الأعمار، حيث كنا نجتمع في الأندية والمكتبات، وحينما أصدر الراحل مع شقيقه المرحوم تريم عمران تريم، جريدة «الخليج»، أضحت قبلة المواطنين المثقفين، والشباب، وكانت لها خصوصية كبيرة لاسيما في الإمارات الشمالية، وتضاعفت محبتنا لصاحبيها الراحلين، وتزايدت مع مرور الوقت والسنوات، وكنا نعتبرهما إخواننا وقدوتنا. الجملة السحرية «أرجو إجراء اللازم فوراً»، هذه كانت الجملة السحرية التي دوّنها الراحل عبد الله عمران لعائشة بالخير، فشرعت أبواب البعثة الدراسية لأمريكا أمامها، حيث أمضت وقتاً طويلاً آنذاك في انتظار وكيل الوزارة ليعتمد أوراق البعثة دون جدوى، وفجأة انفرج الباب ودخل عبد الله عمران، ووقّع أوراقها، ومدّ يده لها بالقلم، قائلاً:«خلي عندك هذا القلم وتذكري به هذه اللحظة». ترشيح لمناصب رفيعة خميس السويدي رئيس دائرة شؤون الضواحي والقرى: رشحني عبد الله عمران، رحمه الله، لأكون أول أمين عام لمجلس الشرف في الشارقة، الذي كان نائباً لرئيسه عبد الله آل ثاني، ورغم معرفتي السطحية به، ورغم أيضاً اعتذاري عن المنصب لانشغالي، إلاّ أنه أصر على رأيه، لما سمعه عن كفاءاتي وقدراتي، فأضحى مؤمناً بي ويتحدث عني بالخير، وترتب على مجلس الشرف، اختياري نائب رئيس مجلس إدارة نادي الشارقة، ومن ثم رئيس المجلس، وبعد ذلك نائب رئيس اتحاد الفروسية، وبعده رئيس المجلس الرياضي، وكل هذه المناصب شغلتها بفضل اختياره الأول لي في مجلس الشرف، مما ارتفع بمستوى طموحي لأن اشغل كل هذه المواقع المهمة خلال مدة لم تتجاوز خمس سنوات فقط، وكان رحمه الله يعاملني بحميمية كبيرة وكأنني صديقه المقرب، ويشعرني بقربي منه، وخوفه عليّ، كما كان دائم التشجيع، والفخر والاعتزاز بي. مقال قرأه.. فجاء الفرج ريحانة الشحي: كان عمري 12 سنة، وفي الصف السادس الابتدائي، وكنت أقطن مع عائلتي في منطقة شعم، التي تعتبر من أقدم «الفرجان» وكان يسمونها فريج القصر لوجود بناء يشبه القصر فيها، وفي السبعينات عندما بنيت شعبية زايد في منطقة أخرى في شعم انتقلت إليها معظم العائلات المجاورة لنا، وكانت مدرستي أم القرى تبعد عن بيتنا قرابة نصف ساعة على الأقدام، وكان الطريق وعراً، وكنا نسير وسط النخيل، وفي الوديان خلال الذهاب للمدرسة، ونواجه صعوبة كبيرة، وبعدما ترك معظم أهالي شعم بيوتهم، وانتقلوا لشعبية زايد، أصبحت أذهب للمدرسة بمفردي، ولم تكن هناك سيارات، أو حافلات، ففكرت وكنت من عشاق قراءة مجلة «الأزمنة العربية»، التي كانت تنشر موضوعات اجتماعية، أن أكتب عن معاناتي اليومية في الذهاب والإياب من وإلى مدرستي على أقدامي، مع حملي حقيبة مدرسية كبيرة، أو سحبي لها، وبالفعل كتبت مقالة في الأزمنة العربية سردت فيها رحلتي اليومية الشاقة، وكانت كلماتي مؤثرة، وقرأها عبد الله عمران، وأمر على الفور بتوفير سيارة «دفع رباعي» لي، فكانت تمر يومياً على بيتنا لتأخذني، وانتهت معاناتي بفضل الأب الكريم رحمه الله. فتح لنا فصلاً دراسياً «أدبي» في كلباء د. علي بن حنيفة عضو سابق في المجلس الاستشاري لإمارة الشارقة: في العام 1973 كنت طالباً في مدرسة سيف اليعربي الثانوية في كلباء، وكان النظام التعليمي يقضي بأن تكون المرحلة الثانوية «قسم علمي» فقط في مدارس مدينتنا، لكني مع عشرة طلاب آخرين أردنا دراسة الأدبي، وحينذاك كان المرحوم خلفان الرومي وكيلاً لوزارة التربية والتعليم، وأصر على عدم فتح فصل أدبي في كلباء، وقال من يريد دراسة الأدبي، فليذهب إلى مدرسة العروبة في الشارقة، والحقيقة كانت تفصلنا عن الشارقة مسافة كبيرة يستغرق الوصول إليها في مدة تتراوح ما بين يوم إلى يومين، في ظل طول ووعورة الطريق وقتذاك، إلى جانب جهلنا بأماكن للسكنى فيها، وأيضاً عدم توفر وسائل اتصال وتواصل مع أسرنا، مما كان سيؤدي إلى انقطاعنا عنهم، فقررنا أن نتوقف عن الدراسة، إذا لم يتم فتح فصل أدبي لنا في كلباء، وعلم «رحمه الله» عبد الله عمران بموضوعنا، فقال: لا توجد مشكلة، وأمر على الفور بفتح فصل أدبي لنا في المدرسة، مع تحمله تكلفة معلمين الأدبي، ومنهاجه ومواده الدراسية التي كانت من بينها اللغة الفرنسية، وكان موقفه من الإجلال والاحترام.ويروي د. علي بن حنيفة عضو سابق في المجلس الاستشاري لإمارة الشارقة، قصة أخرى للراحل عبدالله عمران، فقال: هناك موقف آخر عام 1975 يسجل للراحل الكبير، حيث قررت مع ستة من الزملاء، الالتحاق بدراسة جغرافيا بشرية في جامعة بغداد، ولم نوفق في القبول هناك، فعدنا إلى الشارقة، وأخذني والدي الذي كان مشرفاً على مزرعة تعود لعبدالله عمران في كلباء، لمقابلته، ليطلب منه توظيفي كمعلم في إحدى المدارس بمؤهلي الثانوي، وكان حينها أيضاً وزيراً للتربية والتعليم، ووصلنا لمكتبه في الوزارة الساعة الثانية عشرة ظهراً، وقال له والدي «هذا ابني يريد أن يعمل بالتدريس»، فسحب رحمه الله ورقة صغيرة من مذكرة أمامه، وكتب عليها «يعين الأستاذ علي مبارك بن حنيفة مدرس مواد عامة في مدرسة أبو عبيدة بن عامر الجراح الابتدائية في كلباء»، وبالفعل عينت، وكنت من أوائل المعلمين وقتذاك، ومن ثم أكملت تعليمي، في الوقت الذي أصدر فيه الراحل عام 1977 قراراً يقضي بأن المعلم الذي يكمل عاماً في التدريس، يعطى منحة دراسية في جامعة الإمارات في العين التي كان رحمه الله رئيسها الأعلى، فكنت واحداً ممن حظوا بالمنحة، وأصبحت أتقاضى راتبين، أحدهما كمعلم، والثاني كطالب جامعي، الحقيقة لقد كان علماً من أعمدة وزارة التربية في الدولة. ألحقني بـ الخليج وأنا في الـ 15 د. منصور الشامسي مستشار موارد بشرية: في عام 1983 كنت في نحو الخامسة عشرة من عمري، وأدرس في مدرسة خالد بن محمد الإعدادية، وكنت أهوى الكتابة، وأرسل خواطر أدبية للنشر في الصفحات الداخلية في جريدة «الخليج»، وبمرور الوقت لاحظ د. يوسف العيدابي الذي كان مشرفاً على هذه الصفحات، تطور موهبة الكتابة لديّ، فأتاح لي الفرصة للكتابة في الخليج الثقافي، وبالفعل أرسلت مقالة بعنوان «الحلم العربي» وتفاجأت بنشرها في الصفحة الأخيرة في عمود جمعه اللامي، ومرت الأيام، وتوجهت لزيارة يوسف عيدابي، وكانت الجريدة لا تزال في مبناها القديم في شارع الوحدة، فقال لي عيدابي إن جمعه اللامي يسأل عني، وأخذني من يدي وتوجّه به لمكتبه، فاصطحبني اللامي بدوره إلى مكتب المرحوم تريم عمران، وكان يجلس معه شقيقه المرحوم عبد الله عمران، فرحبّا بي، وأشادا بكوني صغير السن، وامتلك ناصية الكتابة، وفتحا مجالاً لنشر مقالاتي في عمود الصفحة الأخيرة، التي كانت مخصصة للكتاب المحترفين، وبذلك دفعاني لتنمية مهاراتي الإبداعية، وعززا ثقتي بنفسي وإمكانياتي، ووجدت مساحة كبيرة لي في قلبيهما، وبعد فترة استخرجا لي بطاقة صحفية وأنا مازلت طالباً، وأعطياني الفرصة للتدريب في الجريدة في الملحق الرياضي ومن ثم في قسم المحليات نظير مكافأة، والحقيقة شعرت أنني في «منزلي الإبداعي»، رحمهما الله. علمني في العروبة الثانوية ودعمني في وزارة العدل المستشار علي الخضر رئيس استئناف في محكمة عجمان: حديثي عن الراحل الكبير المرحوم عبدالله عمران سيكون مجروحاً، فلقد كان بمنزلة الأب، والشقيق الكبير، والمسؤول، والداعم، والمشجع، والسند، ففي البداية كان رحمه الله معلمي في مدرسة العروبة الثانوية، وكان يدرس مادة الاجتماعيات، ومرت الأيام، وعلاقتي به متواصلة، فنحن من قبيلة واحدة «الشوامس»، وأهل بلد وأسرة واحدة، وبالتالي كنت على صلة به، وعقب تخرجي عينت وكيلاً لنيابة العين، بعدها ترأست نيابة الشارقة، ومنها عملت في نيابة أمن الدولة، ورأيته وزيراً للعدل يتمتع بدبلوماسية كبيرة، وحكيماً ورزيناً من الدرجة الأولى، ويفيض وداً مع الجميع، رغم جديته، وحسمه، وحزمه، لذا فأنا محظوظ بمعايشتي لهذا الرجل طالباً وقاضياً، وسيبقى رحمه الله للأبد حياً في ذاكرة الجميع. وظفني لتعاطفه مع ظروفي الأسرية علي سليمان رئيس مجلس أولياء أمور الطلبة والطالبات في كلباء: حصلت على شهادة الثانوية العامة عام 1978، وكنت أريد التعيين كمعلم، فتوجهت للمرحوم في وزارة التربية والتعليم، وطلبت منه ذلك، فقال لي: يا ولدي استكمل دراستك الجامعية في جامعة الإمارات أفضل لك، فقلت له «أريد أن أكمل لكن أريد أن أنفق على نفسي، وعلى عائلتي»، فأعاد قوله مرة أخرى، بأن استكمل الدراسة الجامعية، فقلت له: حاضر، لكن بعد أن أعمل، فقال لي بإحساس أبوي وليس كمسؤول تربوي: إذا كان هذا قرارك النهائي فلا مانع لديّ، ووقّع لي على ورقة، وبالفعل عملت بالتدريس في مدرسة كلباء الابتدائية للبنين، التي كانت أول مدرسة للذكور، والحقيقة كان أسلوبه رحمه الله طيباً، وليناً، وحنوناًَ. إجازة تفرغ دراسية دون جدال القاضي عبيد إبراهيم الحمادي محكمة الشارقة: عام 1994 كنت قاضيا في المحكمة الشرعية في الشارقة، وذهبت لمقابلة المرحوم الدكتور عبدالله عمران عندما كان وزيراً للعدل، لأطلب منه الموافقة على منحي إجازة تفرغ دراسية في جمهورية مصر العربية للحصول على دراسات عليا، واستقبلني بترحاب، وبوجه بشوش، وبكلمات انطوت على مشاعر أبوة واضحة، وعلى الفور وافق على الطلب الذي قدمته له، دونما أي اعتراض، في الوقت الذي كان كثير من المسؤولين الآخرين يضعون شروطاً لمن يطلب إجازة دراسية، وكانوا يسوفون، ويماطلون، ويؤخرون من يطلب ذلك ويحبطونه.والحقيقة يسجل للراحل الكبير خلال تولية وزارة العدل، صدور كثير من التشريعات والقوانين المهمة في الدولة، فضلاً عن دوره في إصدار توجيهات من أصحاب السمو الشيوخ الحكام، بإلغاء السلطة والصلاحية التي كانت ممنوحة لرؤساء دوائر العدل، بالعفو عن العقوبات في الأحكام الجزائية البسيطة، مما كان يعرض أحكام القضاء للاستخفاف، وبإلغاء هذه السلطة عادت للقضاء هيبته، وتعززت مكانته. توقع لي رئاسة التفتيش القضائي وقد كان د. محمد الكمالي مدير عام معهد التدريب القضائي: كانت الدولة في عام 1992 تفتقر إلى وجود معهد قضائي، وبالتالي كان من يعين قاضياً، يخضع للتدريب على أيدي قضاة سابقين، ففكر الراحل الكبير الدكتور عبدالله عمران رحمه الله حينما كان وزيراً للعدل في إنشاء معهد قضائي، ورفع طلباً بذلك إلى مجلس الوزراء، وجاءت الموافقة، وولد المعهد، وقبيل ذاك الوقت سافرت إلى بريطانيا لدراسة الدكتوراه، حول حقوق الملكية الفكرية، وعقب عودتي، وكنت في أوائل الثلاثينيات من العمر، تقدمت للمرحوم عبدالله عمران، لتوزيعي على المحكمة كقاض، فقابلني في مكتبه في الوزارة بترحاب كبير، وبدا فخورا بي، وقال لي: «احتاج الى شخص مثلك حاصل على الدكتوراه ليكون إلى جانبي في التفتيش القضائي في الوزارة، وخطتي المستقبلية ان تكون انت مدير التفتيش».وطلبت منه ان يتم ندبي للعمل قاضيا في المحكمة إلى جانب عملي في التفتيش، لأتمكن من العمل القضائي، فوافق على الفور، وبالفعل ندبني للعمل في محكمة استئناف عجمان، إلى جانب عملي في التفتيش في دبي، وكنت أمر عليه أسبوعيا في مقر الوزارة، لأعرض عليه محصلة عملي في التفتيش على مدار الأسبوع، وبصدق كان يشجعني دوما على العمل والتعلم، وطيلة فترة وجوده في الوزارة كان الساند والداعم لي، إلى جانب تشجيعه للمواطنين، ودفعهم للاجتهاد، ولا أنسى كلماته «لابد أن تجتهدوا، وتتقدموا حتى تشغلوا المواقع التي تستحقونها فأنتم أبناء الدولة»، وبعد خروجه من الوزارة توليت رئاسة محكمة العين لمدة ثلاث سنوات، وبعد قرابة فترة تتراوح ما بين 4 إلى 5 سنوات، توليت رئاسة التفتيش تحقيقا لما توقعه لي. حفّزني على استكمال الدراسة وأمّن لي القبول في جامعة إكستر سليمان الجاسم: أيقونة وطنية وهامة إنسانية عالية قال الدكتور سليمان الجاسم الباحث والأكاديمي، مدير جامعة زايد الأسبق إن الدكتور عبدالله عمران تريم، أيقونة وهامة إنسانية عالية، كان بمثابة الصديق والمعلم والنموذج الوطني العروبي المخلص لقضاياه الوطنية والعربية وكذلك الإنسانية، مشيراً إلى أن هناك محطات كثيرة في سيرة الراحل تجسد ذلك؛ فقد كان مديراً للتعليم في الشارقة ثم وزيراً للعدل في أول حكومة اتحادية ووزيراً للتربية والتعليم لمدة سبع سنوات وتوّجت بإنشاء جامعة الإمارات، الذي سعى سعياً حثيثاً ببناء أول قاعدة وطنية للتعليم العالي وترأس نشاطها ونفذ توجيهات المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، بأن يكون مقرها في مدينة العين لتجمع أبناء الإمارات جميعاً في مدينة وفي سكن واحد وحرم جامعي بغية خلق التعارف والتواصل بين أبناء الإمارات والذين سيمثلون مستقبلاً قيادات وطنية تدير وتشغل التنمية في الدولة الحديثة.عن مآثره الإنسانية يقول الدكتور الجاسم: عندما كان المغفور له الدكتور عبدالله عمران وزيراً للتربية، شهدت الساحة التعليمية، العديد من المواقف الإنسانية له سواء في التعامل مع الطلاب وأولياء أمورهم، خاصة في المناطق النائية والمعزولة عن المدن الكبرى، حيث كان حريصاً على توفير وسائل النقل للطلبة في المناطق البعيدة إلى جانب حرصه على توفير التغذية المدرسية لجميع الطلبة ومساعدة بعض الأسر التي كانت تعتمد على دخل أبنائها في العمل بعد أن أمّن لهم مساعدات مقابل إدخال أبنائهم إلى المدارس وكذلك زياراته للمدارس البعيدة، ولقاءاته مع الأسرة المدرسية والمعلمين والوقوف على احتياجاتهم وتوفيرها وتخفيف معاناتهم ما خلق ضماناً لبقائهم وعطائهم بالسلك التعليمي في ظل الظروف الصعبة التي كانت موجودة، منها: صعوبة الطرق وعدم وجود الكهرباء والمياه في بعض المناطق والسكن المناسب والاحتياجات المعيشية الأساسية. وتابع قائلاً: ترأس الدكتور عبدالله عمران تريم عام 2002، مركز الخليج للدراسات الذي يصدر تقارير سنوية وكتباً متنوعة تبحث في القضايا العربية عامة والخليجية خاصة، ومن ضمن أنشطة المركز إقامة الندوات والمحاضرات وكذلك المؤتمر السنوي لجريدة «الخليج» الذي يستضيف أهل الخبرة والفكر للتداول في القضايا العربية والخليجية والمحلية، كما ترأس مجلس إدارة مؤسسة تريم عمران للأعمال الثقافية والإنسانية التي من أهم أنشطتها، مركز تريم عمران للتدريب والتطوير الإعلامي، الذي قام حتى الآن بتدريب المئات من الإعلاميين في مجالات متنوعة على مدى السنوات الماضية مجاناً ما شكّل وعاءً ومنارة للعديد من الراغبين في التطور والاستزادة من الخبرات والمعارف الإعلامية التي يوفرها المركز، وفي يقيني أن جهد المركز بالجانب المعرفي عملٌ إنساني خالص، فضلاً عن إطلاق جائزة تريم عمران للصحافة التي فاز بها حتى الآن الكثير من الإعلاميين. وعلى المستوى الشخصي ومواقف المغفور له النبيلة يقول الدكتور الجاسم: لا أنسى ذلك المساء الذي لا يغيب عن ذهني عندما زرته عام 1985 في مكتبه في دار الخليج في شارع الوحدة بالشارقة، وأثناء حديث مطول وشائق، حفزني وشجعني ودفع بي إلى الالتحاق بجامعة إكستر بالمملكة المتحدة للحصول على الماجستير ومن ثمّ الدكتوراه ولم تقتصر جهوده على التحفيز فقط؛ بل امتد جهده الإنساني الحاني بأن أمّن لي القبول بالجامعة وفتح أمامي آفاق العلم والمعرفة في الحقل الأكاديمي، ما مكنّي من الحصول على درجتي الماجستير والدكتوراه من الجامعة نفسها. وختم قائلاً: الراحل المقيم الدكتور عبدالله عمران، شكّل بفعله على مدى عقود، مسيرة عطاء وطني وإنساني باذخة، وكان بحق القدوة والنموذج الذي يجبر على الاقتداء به بعد أن مثّل هامة عالية في الفعل الوطني والإنساني والفكري.

مشاركة :