الكون من أعظم الحقائق التي تتحدى العقل البشرى، ولقد شغل التفكير في مظاهره وظواهره عقل الإنسان منذ وجد على ظهر الأرض، وسيظل التفكير فيه قائما ملحا على تفكير الإنسان إلى أن تقوم الساعة لمحاولة التعرف على أسراره رغبة في الخروج من ظلمات الجهل إلى نور المعرفة، وتحقيقا لهدف لا شعوري هو الاقتراب من خالق هذا الكون. ولقد أعمل الإنسان تفكيره في المادة التي خلق منها الكون، ما هي؟ وما كنهها؟ وعندما تطور فكر الإنسان واشتغل بالبحث العلمي استطاع أن يتعرف على تركيب المواد التي تكون الكون ومجراته ونجومه وكواكبه، كما استطاع العلماء أن يصلوا إلى خواص هذه المواد ومكوناتها وتحديدها تحديدا دقيقا، ولقد صدقت نبوءاتهم في جميع الحالات وتم العثور على هذه العناصر في الأرض، ولقد تكونت مادة الكون من ثلاثة أشياء هي الهيدروجين والهليوم وبقايا رماد النجوم الميتة بعد تفجرها بالفضاء خلال 4.5 بلايين عام مضى. وبعد الانفجار الكبير منذ حوالي 15 بليون سنة تقريبا، كان الهيدروجين يمثل 75% من كتلة الكون والهيليوم 25%. وكانت العناصر الكيماوية اللازمة للحياة كالكربون والأكسجين والنيتروجين ليس لها وجود. ولما تقلصت سحب الهيدروجين والهيليوم بتأثير جاذبيتهما الذاتية تكونت النجوم كأفران نووية اندماجية للعناصر الخفيفة كالهيدروجين والهيليوم مولدة عناصر ثقيلة قامت بتشكيل صخور الكواكب والبحار الدافئة وأشكال ذكية من الحياة. وانطلقت هذه الكتل الثقيلة للفضاء بعيدا عن النجوم الملتهبة لتصبح جيلا ثانيا من النجوم والكواكب. والكربون أحد هذه العناصر وهو أساسي لبعث الحياة، وقد بدأت أنويته تتكون في قلوب النجوم في أواخر حياتها حيث احترق كل الهيدروجين وتحول إلى هيليوم. فالفضاء يعتبر وعاء ضخما يضم مواد الكون ولا يعتبر بهيئة أجرامه خواء. والفضاء باق حتى لو انتزعت منه هذه الأجرام أو كل المادة الكونية. لهذا نجد الكون عبارة عن مادة وفضاء، وهما صنوان متلازمان في هيئة الكون، فوجود المادة بالفضاء جعلت للكون منظورا ومعني ومظهرا، وإضاءة الأجرام فيه من نجوم وغيرها، جعلت له لغة يفهمها علماء الفلك والفضاء، فمن خلال الضوء نرى ما ظهر من الكون المنظور، ونقيس أبعاده ونقدر حجم أجرامه ونحس فيه بالسرعة. كما أن الفراغ الذي نتصوره كحيز خال تماما، نجده يضم آلاف الأنواع من الجسيمات التي تتكون وتتحد وتتفاعل وتختفي في محيط لا يعرف الهدوء أو السكون فيه. وسوف أستعرض هنا جهود وآراء علماء في هيئة الإعجاز العلمي بمكة المكرمة اجتهدوا في مجال البحث العلمي، حيث وجدوا أن صفات المواد المكونة للكون مطابقة كل المطابقة للصفات التي توقعوها، وأدرك هؤلاء العلماء أن هناك نظاما مقصودا وراء ذرات كل مادة، وأن مواد الكون لا يمكن أن تكون عناصرها مخلوقة بالمصادفة وقد رتبوها بطريقة معينة، ثم أطلقوا على هذا الترتيب في جدول (مندليف) اسم (القانون الدوري) الذي تخضع له جميع العناصر. ولقد لاحظ العلماء في ذلك الوقت أن سرعة التفاعل بين ذرات المعادن القلوية والماء مثلا، تزداد بازدياد أوزانها الذرية، بينما تسلك عناصر الفصيلة الهالوجينية سلوكا مناقضا ولم يعرفوا سبب هذا التناقض، ولكن لم يرجع أي من العلماء ذلك لمحض الصدفة، أو يظن أنه ربما يتعدل هذا السلوك بعد شهر أو بعد عام، أو تبعا لاختلاف الزمان والمكان، أو يخطر بباله أن هذه الذرات ربما يتغير سلوكها بطريقة عكسية أو عشوائية. ولقد تبين لهم ثبات هذا السلوك على مر الأزمان، وأن التفاعلات الكيميائية التي تشاهد، والخواص الطبيعية التي تكتشف ترجع كلها إلى قوانين خاصة تتعلق بالتركيب الذرى لكل عنصر وليست محض مصادفة عمياء، وصدق الله العظيم بقوله تعالى: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) (الحجر21 )، وقوله تعالى (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) (القمر49)، فأدركوا بما لا يدع مجالا لأي شك، أن هذا النظام الكوني الدقيق البالغ الدقة، المنتظم البالغ التنظيم، لا بد له من منظم هو الله سبحانه وتعالى، وأن هذا النظام العظيم هو مظهر من مظاهر القدرة الإلهية التي تتضح في تفاصيل التركيب الذرى لذرة كل عنصر، ولقد كان (دالتون 1802) يعتبر الذرة كتلة صلبة من المادة وتمثل أصغر شيء في الوجود لأنها لا تنقسم، لكن في عام 1878م اكتشف (كروكس) أن ذرات الغاز المتبقي في أنبوبة الاختبار تنفصل منها جسيمات تحمل شحنات كهربية سالبة تتحرك بسرعة جبارة عند تسليط جهد كهربي على طرفي الأنبوبة، وقد تبين بعد ذلك أن هذه الجسيمات المتدفقة المسماة بأشعة المهبط ليست إلا سيلا من الإلكترونات، وأن الإلكترون جسيم أصغر من الذرة. وفي عام 1896م اكتشف (بيكريل ومدام كورى) ظاهرة النشاط الإشعاعي التي أوضحت أن بعض ذرات العناصر تبعث تلقائيا بإشعاعات خطرة غير مرئية تتكون من جسيمات مادية أصغر من الذرة علاوة على ضوء غير مرئي (أشعة جاما(، وكان هذا الاكتشاف تأكيدا بأن الذرة تنقسم إلى ما هو أصغر منها، وبهذا أعلن (رذرفورد) بعد تجارب عملية أجراها عام 1911م، عن نظرية حديثة عن تركيب الذرة تؤكد أن الذرة تتكون من نواة موجبة الشحنة، وتدور حولها إلكترونات سالبة الشحنة، وأصبحنا نعيش منذ مطلع القرن الماضي عصر انقسام الذرة. ولقد أوضح القرآن الكريم منذ أكثر من أربعة عشر قرنا حقيقة أن هنالك ما هو أصغر من الذرة في قوله تعالى: (وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (يونس61) وفي قوله: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (سبأ 3). وبهذا فإن الله سبحانه وتعالى قد أشار في كتابه المبين إلى جملة حقائق علمية مهمة وهي: * أن المادة في السماوات والأرض تتكون من ذرات. * أن الذرة لها ثقل معين وهذا الثقل صغير جدا. * أنه يوجد ما هو أصغر من ذلك. (وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ). ولقد كانت هذه الحقائق ومازالت محور أبحاث العلماء في القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين، وقد أطلقوا على هذه العناصر أسماء ليسهل التمييز بينها، وتبدأ العناصر بعنصر الأيدروجين وتنتهي بعنصر اليورانيوم، وهذه العناصر موجودة في الأرض والسماء، وأن عناصر جسم الإنسان تتكون من العناصر الموجودة في الأرض وصدق الله العظيم بقوله تعالى: (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ) (السجدة 7). سبحانه خالق كل ما ومن في الكون، ومدبر حركاته وسكناته ودورانه وميلاده ومماته.
مشاركة :