في بداية مقالي هذا، اسمحوا لي أن أرد على من يشكك في مصداقية ما يطلق عليه التفسير العلمي للقرآن الكريم، مع أننا نعيش العصر الذي يبدأ فيه ظهور هذا الإعجاز مع التطور العلمي الهائل الذي حدث في الخمسين سنة الأخيرة من القرن العشرين وبدايات القرن الحادي والعشرين، وقد نسي هؤلاء الإخوة أن الله سبحانه وتعالى قد أمرنا أن ننظر ونتفكر في خلق السماوات والأرض مصداقا لقوله تعالى: (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) (يونس 101) وقوله سبحانه وتعالى: (سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ (فصلت53) وقوله تعالى: (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (النمل 93) ونلاحظ في الآية الكريمة الأخيرة وجود حرف السين والذي يفيد الحدوث في المستقبل الذي لا ينتهي حتى يوم القيامة، وهذا يعنى أن عطاء القرآن الكريم متجدد ومستمر لجميع الأجيال، وصدق قوله تعالى: (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ) (ص87-88) وقوله تعالى (لكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (الأنعام67) أي سيأتي زمن تدركون فيه بعض معاني هذه الآيات الكريمات. ويتحجج هؤلاء المكذبون لإعجاز القرآن العلمي، بأن النظريات العلمية تتغير، وردنا عليهم أن العاملين في هذا المجال لا يفسرون القرآن الكريم بالنظريات، بل يتفهمونه في ضوء الحقائق العلمية الثابتة، ومن أجل هذا أنشأت الهيئة العامة للإعجاز العلمي بمكة المكرمة، وبها عدد كبير من العلماء الأفاضل يتفحصون ويتأكدون من صدقية الحقائق العلمية قبل الأخذ بها، فليطمئن هؤلاء الإخوة مادام الرأي لا يخالف القرآن الكريم، ولا يعارض السنة النبوية المطهرة، ويحقق ما أمر به الله في قوله تعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أم عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) (محمد 24)، وليأخذوا بما جاءت به الأبحاث العلمية في هذا الشأن، اعتمادا على ما ثبت اكتشافه يقينا من ظواهر الطبيعة، وما خلق الله سبحانه وتعالى، وما شوهد رأي العين، أو عن طريق المناظير الضخمة، أو الرحلات العلمية اليقينية إلى كواكب المجموعة الشمسية. وموضوع هذا المقال وحدانية الله سبحانه وتعالى التي ثبتت بآيات القرآن الكريم، ولكننا في هذا المقال نريد أن نثبت وحدانية الله عن طريق العلم الحديث. وميدان البحث العلمي به متسع لمن يريد أن يبحث في هذا الجانب، وأينما بدأنا أو اتجهنا فسوف نجد آثار الوحدة ومظاهرها ودلائلها، ومن هذه الدلائل وحدة المادة والطاقة، ومعروف أن المادة والطاقة هما أساس الكون، والشمس هي شجرة المادة والطاقة في عالمنا المسمى بالمجموعة الشمسية. والمادة والطاقة متلازمتان فلقد اثبت (أينشتاين) اندماجهما في أعظم قانون اكتشفته البشرية في القرن العشرين، فالمادة ما هي إلا طاقة حبيسة أو معتقلة غير متحررة، والمادة رغم أنها تشغل في هذا الكون مكانا وزمانا، إلا أنها قد تتخلى عن صفات التجسيد وتتحرر من قيودها وتنطلق في موجات (طاقة) تتحدى المكان والزمان، كما نجح العلماء في تحويل الطاقة إلى مادة في عملية تجسيد الطاقة إلى مادة ومادة مضادة، وبهذا أثبت العلماء إمكانية اندماج المادة والطاقة، وأثبتوا أيضا اندماج المكان والزمان، واندماج الكهربية المغناطيسية والجاذبية في نظرية اندماجية شاملة تدعى النظرية النسبية، تبين لنا الكون بمظهر مجال واحد وقوانين واحدة تنطبق على كل إليكترون سائر وكل كوكب دائر، بل وكل شعاع ضوئي صادر، وتعمل منذ أن خلق الله الكون وحتى تقوم الساعة. ويعتقد العلماء أن نجاح أينشتاين في النظرية النسبية كان قائما على أساس تفكيره الوحدوي، لأنه كان يؤمن بوجود قوة قادرة عاقلة واحدة مهيمنة تسيطر على جميع مكونات هذا الكون العظيم. ولهذا ربط أينشتاين بين المادة والطاقة، والمكان والزمان، والجاذبية والكهربية في النظرية النسبية. حقا هناك ظواهر عديدة تدل على وحدة هذا الكون، وتشير إلى أن نشأته والسيطرة عليه لا بد أن تتم على يد إله واحد لا آلهة متعددة، ولتوضيح ذلك نورد فيما يلي بعض الظواهر على سبيل المثال لا الحصر. فالكون كله يتكون من ذرات توجد في الأرض والسماء وما بينهما، كما أن جسيمات الذرة لها خواص مادية وخواص موجية فهي تجمع بين المادة والطاقة. ويحتوي الكون على إشعاعات مرئية وغير مرئية، تمثل الطاقة على هيئة موجات كهرومغناطيسية تسير رغم اختلاف أنواعها بسرعة واحدة في الوسط الواحد هي سرعة الضوء التي تساوى في الهواء 300.000 كيلومتر/ ثانية لجميع الموجات الضوئية المرئية وغير المرئية، وأن هذه الأمواج تسلك أيضا سلوك جسيمات مادية تدعى الفوتونات؛ أي أن الأمواج تجمع بين المادة والطاقة. وجميع العناصر المادية التي نعرفها على الأرض تخضع لنظام واحد يدعى القانون الدوري للعناصر، وأن جميعها يمكن تحويل بعضها إلى بعض فالنحاس قد يتحول إلى ذهب، والأيدروجين إلى هيليوم وعناصر أخرى أثقل كما يحدث داخل المفاعلات الذرية وبداخل النجوم، ما يدل على وحدة تركيب العناصر. كما أن وحدة تركيب الذرة في جميع العناصر كالإليكترون والبروتون والنيوترون، يدل على وحدة الخالق للأرض والسماء والكون كله. ولكل مادة في الكون مادة مضادة، والمادة المضادة هي مادة عادية مع شحنة كهربية معاكسة، وعلى سبيل المثال البوزترون هو إليكترون ذو شحنة موجبة، والبروتون المضاد هو بروتون ذو شحنة سالبة. مصداقا لقوله تعالى: (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) الذاريات/49 وبهذا فإن دستور الأزواج هو قانون موحد في هذا الكون، ما يدل بالتأكيد على انفراد الخالق بصفة الوحدانية، كما أن اتفاق الخواص الذرية للمادة واشتراك نفس العناصر في السماوات والأرض طبقا للتحاليل الكيميائية والفيزيائية للنيازك التي تسقط على الأرض من السماء، وطبقا للتحليل الطيفي للضوء القادم إلينا من الشمس والنجوم، وللإشارات الواردة من الأقمار الصناعية عن الأشعة الكونية والجسيمات الذرية المنتشرة في الفضاء الخارجى، كل هذا يؤكد بالدليل القاطع على وحدة السماء والأرض، وكونهما من مادة واحدة انفتقت جزيئاته، مصداقا لقوله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (الأنبياء 30). وهذه الآية الكريمة تعتبر من عجائب الإعجاز العلمي للقرآن الكريم لأنها سبقت علم الفيزياء والفلك الحديث في تقرير وحدة المادة في الكون، بمعنى أن الكون كله قبل أن تتشكل عوالمه ومجراته ونجومه كان كيانا سديميا يتكون من ذرات الأيدروجين (الغاز الكوني) حيث تم دمج ذرات العناصر الأخرى الأثقل بسبب الحرارة العالية للسديم والاندماج النووي للذرات، ما أدى إلى تكوين الدخان الكوني مصداقا لقوله تعالى عن نشأة الكون: (ثُمَّ اسْتَوَى إلى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أو كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) (فصلت11)، وحيث إن الأرض قد تكونت من الشمس، والكائنات الحية بما فيها الإنسان قد تكونت من مادة الأرض، فكل الأحياء من نبات أو حيوان تشير جميعها إلى وحدة المادة والطاقة في الأرض والسماوات وما بينهما. وبهذا أثبت العلم الحديث بما لا يدع مجالا للشك، وحدة المادة، ووحدانية النظام في الكون من خلال التعرف على مظاهر الكون وظواهره، ومن خلال التشابه والتماثل في الوجود، وبهذا أثبتت حقائق العلم فطرة أن الكون على اختلاف مظاهرها إنما هي فطرة واحدة متماسكة متكاملة، ما أدى منطقيا وعقليا إلى القول بوحدانية فاطر الفطرة وخالق الكون، وأن هذه الحقيقة فوق شك كل الملحدين.
مشاركة :