تأملات إيمانية في خلق الكون الكون والنسبية (2)

  • 12/22/2018
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

ومن المعروف طبقا للنظرية النسبية أنه لو وجد كائن له سرعة أكبر من سرعة الضوء، لانمحت أمامه المسافات مهما عظمت ولأمكنه قطعها في غير زمن! وهذا يفسر نزول الملك بالوحي من السماء العلا وصعوده إليها في غير زمن لأن الملك كانت سرعته أكبر من سرعة الضوء! كما يفسر أيضا معجزة الإسراء والمعراج التي حدثت تكريما لرسولنا سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام الذي رافق جبريل في هذه الرحلة الشهيرة المذكورة بالكتاب والسنة، كما في قوله تعالي مشيرًا إلى الإسراء «سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلى الْمَسْجِدِ الأقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ» (الإسراء1). وقوله تعالى مشيرًا إلى المعراج: (وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى) (النجم 13-17)، وعلى الرغم من أن سرعة الضوء في الفراغ أو الهواء هي أعلى سرعة يعرفها العلم طبقا للمبدأ الرئيسي للنظرية النسبية لأينشتاين، فإن العلم لا ينكر وجود سرعة أكبر من سرعة الضوء في الفراغ وإن لم يصل إليها حتى الآن. والملائكة قد تسير بسرعة الضوء أو أعلى منها، ذلك لأن قدرة الله سبحانه وتعالى بلا حدود. ولقد اتضح علميا أن الضوء له طبيعة موجية وهو يتحرك في الفضاء الكوني بانحناءات لا تعرف مطلقا الخط المستقيم، ولقد ثبت ذلك عمليا، فالصعود في السماء أو السباحة فيها لا بد أن يتم تلقائيا في مسارات منحنية بعضها بيضاوي أو منفرج أو شديد الانحناء مثل مسار المذنبات التي تسبح حول الشمس. وقد جرت خلال أبحاث الفضاء حديثا عدة قياسات أيدت صحة انحناء الضوء في الفضاء الكوني طبقا للنسبية العامة، ولعلنا نلمس بأنفسنا الإشارة إلى انحناء السير في الفضاء في القرآن الكريم حين يعبر دائما عن أسفار الفضاء بكلمة (عروج)، والعروج معناه بالعربية الصعود والخروج عن الخط المستقيم، كما في قوله تعالى: (تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ ألف سَنَةٍ) (المعارج-4)، وقوله تعالى : (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إلى الأرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ ألف سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) (السجدة-5) وقوله تعالى أيضا: (وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ) (الحجر14)، وقوله: (يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ) (سبأ-2). وبهذا يتضح أن القرآن الكريم قد عبر عن قانون من قوانين النسبية العامة في لفظ واحد وهو الفعل (يعرج) أو لفظ (المعارج)، ويعنى (الانحناء)، ما يفيد بأن كل شكل ينحني في حركته سواء كان مادة أو طاقة. ويقول أينشتاين طبقا لمفهوم الانحناء في النسبية أن الكون كله يتبع انحناءً ناتجا عن مجموع الأجرام فيه، ويصبح الكون كما لو كان سطح بالون كروي مقفل على نفسه، بمعنى أن الكون ليس داخل البالون ولكنه بأجرامه يكون سطح البالون، ولم يستبعد أينشتاين فكرة تمدد الكون أو انكماشه، بحيث يبدو الكون في حالة شهيق يعقبها زفير، وقد يتذبذب بين الحالتين! وقد أثبتت الظواهر الفلكية الحديثة صحة النموذج الكروي للكون، وأن تقوس الفضاء يكون متغيرا مع الزمن كما لو كان البالون الكوني يتمدد فعلا ويتسع حيث يمكن تمثيل المجرات بنقاط مرسومة على سطح البالون، وعند انتفاخ البالون تتباعد النقاط (المجرات) بعضها عن بعض، ويتسع الفضاء بين المجرات من دون أن تتمدد المجرات ذاتها، وقد لاحظ (هبل) العالم الفلكي المعروف، بعد قياسات متوالية في السنوات الأخيرة ظاهرة تباعد المجرات بعضها عن بعض، وتشير الآية الكريمة التالية إلى هذه الحقيقة: (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) (الذاريات-47)؛ أي أن الله سبحانه وتعالى قد أحكم بناء السماء بقوة جبارة وأنشأها منذ البداية على اتساع هائل، وأن هذه التوسعة مستمرة مع مرور الزمن طبقا لظاهرة تمدد الكون التي أصبحت حقيقة علمية في هذا القرن. إن أولئك الكفار والملحدين الذين يدَّعون ظلما وبهتانا أن القرآن الكريم من تأليف البشر، لو أمعنوا عقولهم وأفهامهم في آيات القرآن الكريم، ودرسوها من خلال الثابت من الحقائق العلمية، لأدركوا أن إعجاز القرآن الكريم لم ولن يتوقف عن تحديه للبشر، وسوف يظل العلم الحديث يؤكد دائما أن الإسلام حق، وأن القرآن الكريم كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم هو رسول الله سبحانه وتعالى إلى البشرية جمعاء.

مشاركة :