ربما كانت صدفةً أن يأتي إعلان اللجنة العليا لقضايا الفساد العام، التي أمر بتشكيلها الملك سلمان بن عبدالعزيز في تشرين الثاني (نوفمبر) 2017 برئاسة ولي العهد، إنهاء أعمالها التي تشكّلت من أجلها بعد أيام قليلة من اختتام منتدى تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية التي حضرها ولي العهد، وما كان لهذه التنمية وتفعيل برامج رؤية 2030 أن تتحقق ما لم تقابلها جهود حقيقية لمواجهة ومكافحة الفساد في المال العام الذي انتشر بشكل لافت وأثّر على خطط التنمية في العقود الماضية، وحرم المجتمع من العديد من المشروعات، ولعلنا نعيد المقولة التي قالها الأمير محمد بن سلمان في أحد حواراته الصحافية حين قال: «لن ينجو أي شخص تورّط في قضية فساد، سواء أكان أميراً أم وزيراً، ومن تثبت عليه الأدلة الكافية سيحاسب»، البعض اعتقد حينها أنها للاستهلاك الإعلامي، إلا أنها تبعها المزيد من الإجراءات المشددة والحازمة تجاه ما يتعلق بالفساد. نهاية الأسبوع الماضي سألني أحد الصحافيين الأجانب عن ما إذا كانت الحكومة السعودية قد توقفت عن ملاحقة لصوص المال العام، فأخبرته أن هذا الأمر غير صحيح، فالملك سلمان كان قد شكل لجنة عليا قبل عام لقضايا الفساد العام، وهذه اللجنة قامت بمهماتها وهي استجواب العديد من الأشخاص، زجت بالمتهمين في السجن فيما تم الإفراج عن بعض الذين لم يثبت في حقهم، وأتمت تسوية مع البعض الآخر، وجمعت من خلال هذه الحملة أكثر من 400 بليون ريال، منها سيولة نقدية وأصول من عقارات وشركات وأوراق مالية وغير ذلك، وانتهاء أعمال اللجنة العليا لقضايا الفساد العام لا يعني التوقف عن ملاحقة أي شخص ثبتت ضده شبهة فساد، والدليل على هذا الكلام، ما صدر قبل أسبوع من وزارة الشؤون البلدية والقروية بكف يد 126 موظفاً بتهمة فساد، والأجهزة الرقابية والأمنية وغيرها من الإدارات لا تزال وستبقى تعمل، لأن من أهم عوامل نجاح رؤية 2030 أن تقف بالمرصاد في وجه الفساد بأشكاله كافة، لتقابلها مشاريع التنمية التي تتجه لها السعودية لأنها تخلق فرص عمل وجذب استثمارات. من يزور السعودية سيكتشف أنها بلد لا تنام ولا تستطيع أن تغمض عينيك عنها، إنها تريد أن تلحق بركب التنمية بعدما غابت عنها طويلاً، تريد إعادة اكتشاف الإنسان السعودي وتمنحه الثقة وترفع من همته وتخلق فرص الحياة بالمساواة بين الرجل والمرأة، كما أن المجالات الاستثمارية الموجودة في السعودية اليوم مغرية لكل المستثمرين الأجانب، ليس عليهم سوى أن يحضروا بأموالهم وأفكارهم، وسيجدوا أن كل المسؤولين يقفون مرحبين، لأنهم يعرفون أن هذه الاستثمارات هي التي ستوفر فرص عمل لأبنائهم وبناتهم، وتمنح السعودية في التنافسية العالمية مركزاً محفزاً ومتقدماً، لا توجد مدينة أو قرية أو ضاحية أو مساحة في السعودية لم تنتفض تنموياً منذ إعلان رؤية 2030 وجملة المشروعات التي تنفذ في كل مكان، إنها ورشة تسمع من كل جنباتها إما صوت حفر أو بناء أو ترميم، وهذا يعني أن السعودية قد أخذت العزم على أمرين مهمين: التخلي عن عوائد النفط تدريجياً كمصدر رئيس لها، وكذلك الاعتماد على أبنائها وبناتها ومجتمعها في بناء اقتصاد قوي وصحي يستطيع تحمل الصدمات الاقتصادية التي قد تحدث أو تتعرض لها العديد من الدول نتيجة أحداث سياسية أو اقتصادية، على سبيل المثال منتدى تطوير الصناعات والخدمات اللوجستية، يسعى إلى توفير 1.6 مليون وظيفة، ويتوقع أن يجذب استثمارات بقيمة 1.6 تريليون ريال بحلول 2030، وفيما يتعلق بتطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية، فالبرنامج يتضمن 300 مبادرة، ويعمل على توفير 11 صناعة منها السيارات، والعسكرية، والطبية، والاستزراع المائي والسمكي، لرفع صادرات السعودية لتصبح 50 في المئة منها غير صادرات نفطية، وركز البرنامج على أربعة قطاعات حيوية، تشمل الصناعة والتعدين والطاقة والخدمات اللوجستية. ليس أمام الحكومة السعودية وقت لتضيعه، هي تريد أن تستثمر كل لحظة ودقيقة، لا تريد أن ينشغل شعبها في أمور ليست من مصلحة الفرد ومجتمعه، تريده أن ينضم إلى مجموعات تنموية، ولهذا تجد هنا وهناك ورش عمل وفعاليات وأنشطة حتى على مستوى مدرسته وحيه، تريده أن يكون فعالاً ومسهماً في إعادة تشكيله وبنائه بعدما دمره التطرف والتعصب والعنصرية، هي اليوم تقف بحزم لكل من يحاول أن يسيء إلى المجتمع، لأنها تعتبره محاولة لإيقاف عجلة التنمية. سيبقى باب مكافحة الفساد مفتوحاً ولن يغلق، ربما سيكون أشد ضراوة في التعامل مع أي حالة قد تظهر مستقبلاً، ونحن نعلم جميعاً أن سرقة المال العام والتكسب غير المشروع موجود في العالم ولا يمكن أن تقضي عليه نهائياً، إنما التحدي الأكبر هو أن تطبق القانون على الجميع، وأن يكون العاملون على أجهزة الرقابة على حزم ومن دون مجاملة في المساءلة، إذ إن رؤية 2030 منهج جديد للسعودية بدأ منذ عام 2017، ومهمة الحفاظ على قدسيته وتطبيق روحه هو مسؤولية الجميع من أعلى هرم في الدولة إلى أصغر موظف فيها. * كاتب وصحافي اقتصادي. @jbanoon
مشاركة :