مجتمع شبابي افتراضي

  • 2/4/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يعيش العالم اليوم ثورة اتصالات وتواصل غير مسبوقة، انعكست بكل تفاصيلها على الشأن الحياتي اليومي للناس، وبشكل خلق حالة من الحيرة لدى البعض، والفزع لدى البعض الآخر، بينما تستمر شريحة الشباب بوجه خاص في استثمار كل ما توفره التكنولوجيا اليوم من جديد ومثير في عالم أصبح بلا حدود وبلا قيود. جيل الكبار كذلك كان له نصيبه من هذه الثورة العارمة، فالعلاقات أصبحت تحكمها أدوات التواصل الاجتماعي وبشكل اختفت معه ملامح التواصل التقليدي الذي كان سائداً إلى ما قبل عقدين من الزمن، وعلى الرغم من ذلك، يبقى لجيل الكبار بعض من ملامح تلك الحقبة، بعكس الشباب الذين أصبح عالمهم يتحول شيئاً فشيئاً إلى عالم افتراضي بحت، وهنا قد تكون المشكلة كما نراها نحن الكبار، وربما لم يستوعبها الشباب بعد. لقد أدت شبكات الإنترنت والتواصل الاجتماعي إلى ولادة عالم جديد يتجاوز البعد المكاني والزماني، بل وحتى الجسدي المحسوس، عالم رمزي تماماً في شكل افتراضي لا تحكمه معايير ملموسة أو محسوسة اعتادها الإنسان في حياته. هذا العالم الافتراضي لا ينام أبداً، ويعج بكل الأفكار والرؤى والمبادئ والقيم، بل حتى المشاعر.. هو عالم متاح للجميع من دون استثناء، ويلعب دوراً كبيراً في تشكيل الوعي ونمط التفكير وأسلوب التعامل مع العالم. وبشكل يؤدي في ما بعد إلى تشكيل العلاقات المجتمعية بلا قيود جغرافية ولا عقائدية ولا فكرية ولا عرقية. أما بالنسبة إلى الشباب العربي، فقد شكل مثل هذا المجتمع الافتراضي فرصة لممارسة كل المحظور في مجتمعاتهم الحقيقية، فقد أصبحوا مواطنين في مجتمع رقمي لا يخضع لقمع ولا لكبت ولا لمحظور.. فكان أن مارسوا ثوراتهم السياسية والاجتماعية عبر شبكات التواصل على الإنترنت، وأصبحت منصات كالفيسبوك وغيرها مقار اجتماعات ومنتديات، يتبادلون فيها الآراء والأفكار وبحرية تكاد تكون شبه مطلقة، لم تنجح في تقويضها القوانين التي تحاول جاهدة أن تنظم أو تراقب حركة الفكر الشبابي الجديد الجامحة في عالم افتراضي مترامي الأطراف! لم يخل المجتمع الافتراضي من مشاكل قد تصبح أكثر بروزاً في المستقبل، فقضايا مثل المواطنة والانتماء والهوية أصبحت على المحك. كما يثير هذا المجتمع الافتراضي مسائل العلاقات الاجتماعية والإرث الثقافي ونمط التفاعل الاجتماعي داخل المجتمعات التي كانت مغلقة قبل أن تسقط جدرانها ثورة هذا المجتمع الرقمي. نحن بلا شك، كباراً وشباباً، نقف أمام تطور تاريخي رهيب يعصف بالمجتمعات البشرية، مثيراً في طريقه آلاف الأسئلة والاستفسارات التي ستبقى من دون إجابة إلى حين اكتمال تشكل هذا المجتمع الافتراضي، خصوصا بعد أن تحول من مجتمع اجتماعي يجمع أصحاب الاهتمامات المشتركة إلى مجتمع سياسي يقود ثورات، ومجتمع اقتصادي أسقط إمبراطوريات تجارية لم نتوقع في يوم ما انهيارها. سعاد فهد المعجل

مشاركة :