عندما يشترك الناس في دورة ألم متشابهة، ثم تتردد وتتكرر تلك المشاعر والأحاسيس المثقلة بالهموم، وتستهلك أشكالاً متعددة من البؤس تعكس الحقيقة المطابقة للواقع مع تضخيم الأخطاء والتفاصيل وغياب وعي الجماهير والحشود، وإن أخشى ما أخشاه هو استبداد الألم والحزن على الخطاب والفكر ويظهر أثره متراجعاً في القيمة لبعده عن خصائص الأصل. وتبقى الانعكاسات النفسية جزءاً من نتائج ما يتعرض له الإنسان من تعاملات سلوكية تجاه الآخرين، وبقدر البعد النفسي المتأثر بتلك التعاملات والدوافع بين اليأس والألم، ويعد العنف بشكل عام أحد أكثر المؤثرات سلبية على الحياة وترسباته عميقة في النفس. والحقيقة التي يجري الحديث عنها هي المرأة والطفل لأنهما أكثر عرضة لهذا العنف ناهيك عن ضحايا القتل والتنكيل من الأنظمة ضد المدنيين الأبرياء، فالمرأه التي تتعرض للعنف سيكون لها أبناء يختزلون في نفوسهم صدى ذلك الألم وينعكس على من حولهم وبالتالي تتسع هذه الآثار إلى دوائر أكبر فمن الأبناء والأسرة إلى المجتمع ولا يمكن التنبؤ بالآثار الانشطارية لهذا البعد. وبالتحديد في مراحل الطفل المختلفة فالألم والحزن المترسب في دواخلهم يدفع بهم إلى الممارسة الفعلية إلى إيذاء النفس أو الآخرين والسير في اتجاهات مجهولة تنتهي إلى المخدرات والانتحار أو الإرهاب بأنواعه، وغالباً ما ينتشر العنف ضد المرأه والطفل في المجتمعات المغلقة والتي يضعف فيها التعليم وقنوات التوعية، وفي غياب القوانين التي توفر الحماية لهما ولم يترك العالم النمساوي كونراد لورنتز هذا الجانب الذي اهتم بدراسة السلوك الإنساني ومزج فيه بين علم الأخلاق وعلم السلوك. له عدة مؤلفات "العدوانية" ، "تاريخ طبيعي للبشر"وقدم عدة أسئلة جوهرية منها: ما أصل النزعة العدوانية لدى الإنسان؟ هل هي غريزية طبيعية أم ثقافية مكتسبة؟ وما هي وظيفة النزعة العدوانية لدى الإنسان؟ فإذا تقاسمنا الهموم وقدمنا إجابات تساعد على سن القوانين والتشريعات وعملنا أيضاً على تكثيف جرعات التوعية الحقوقية للمرأة، وكيف تحافظ على مستقبل أطفالها من تلك النزعات العدوانية، كما أن تطوير المهارات النفسية والتعامل مع الضغوط وإذكاء الثقة بالنفس يجعل التعامل مع الظروف إيجابياً. وبالتالي إنشاء مراكز متخصصة في تطوير الذات ومعالجة المشاكل الأسرية قد يضيء العتمة في الأجزاء المظلمة من تلك العقول، وأنشطة شاملة تحتوي أيضاً الرجل فالتوعية حجر أساس في كل مشروع وخاصة المشروع الصغير الذي يضخ للمجتمع نفسيات صحيحة غير معتلة فكرياً وصحياً، نحن بحاجة لمن يقدم رسائل متوازنة ذات مفهوم عميق. وتتمثل قيمة العلاج كما أورد"لورنتز"في فهم واستيعاب السلوك العدواني لدى الإنسان وأيضاً معرفة أصله ومصدره، هذا مع الوقوف الكلي للمظاهر العنيفة التي أصبحت تتميز بالكثرة والتعقيد فهي من جهة كثيرة ومتنوعة بحسب الظروف ومن جهة أخرى تتسم بالتعقيد لتداخل مفهوم العنف مع مفاهيم كالعدوانية والقوة وغيرها. فالأمر هنا يتعلق بالفرد والمجتمع وتنحصر في ضوء المفاهيم ومؤشرات التقارير التي ناقشت وضع المرأة والطفل والعلاقات الممكنة بين مفهوم الإنسان والدوافع المتصلة به، وتشكيل ثقافة المجتمع على مراعاة مصالح وحقوق الطرف الأضعف وتنظيم الوظائف العمومية من قوانين وحقوق وعدم الإرغام على الخضوع بداعي القوامة بوصفها معياراً أخلاقياً سائداً وليست كما أمر بها رب العزة والجلال، قال تعالى:(الرجال قوامون على النساء بمافضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم..الآية)
مشاركة :