الكتابة عن الزراعة، أشبه بالخوض في بحر ليس له أبعاد؛ جنون الوضع والنتائج تشد للكتابة كمسؤولية. تعاقب على كرسي الوزارة العديد من الوزراء؛ وصلت في إحداها إلى وزير أكاديمي، عاصر الطفرة الأولى؛ غيّر الوضع الزراعي بشكل فاق كل تصور؛ حقق نجاحات زراعية عظيمة؛ قادت إلى كارثة نضوب المياه الجوفية؛ السؤال: لماذا؟! كان لمعاليه رد أذهلني على أحد مقالاتي في عام (1994)؛ سأله مذيع التلفزيون السعودي عن حقيقة نضوب المياه؛ تهرب من الإجابة؛ مع إلحاح المذيع، قال بانفعال: اجتهدنا وأخطأنا؛ كيف لوزير أن يخضع بلدا وأمة للاجتهاد؟! كيف يخضع مستقبل أجيال للاجتهاد؟! أسئلة مازالت قائمة حتى اليوم، وستظل كذلك. الأسئلة تتراكم، تكبر وتتشعب كمّا وكيفا؛ أتلقى أسئلة صحفية بعد تعيين كل وزير زراعة: ماذا تقول للوزير الجديد؟! أتهرب من الإجابة؛ سأل أكاديمي عن تصوراتي، قلت: غسلت (ايدي)؛ يتلاشى العشم والأمل في إصلاح أي شيء؛ قادرون فقط على التجاهل والتعامي؛ ليس هناك خطة زراعية، في غيابها الوضع أصعب مما نتخيل؛ بناء العقول يحتاج إلى عقود. تأتي الجرائد المحلية مع بداية كل وزير، بطلبات وتصورات؛ يشارك الكتاب أيضا في الحفلة بعرضة قوية: آمال، اقتراحات، تصورات؛ أصبح الوضع برمته لافتا؛ في كل مرة لا نرى لقاء مع أي وزير، حول التصورات والآمال والتطلعات؛ يأتون ويخرجون من الوزارة دون معرفة أحلامهم؛ كنتيجة يزيد القلق مع كل وزير جديد. مؤسس اجتهادات استنزاف المياه الجوفية، والزراعة العشوائية، كان أكاديميا؛ تطرقت إلى مصطلح الزراعة العشوائية أثناء مقابلتي مع الاستاذ عبدالله المديفر، في برنامجه (لقاء الجمعة)، تاريخ (26/9/2014): أي شيء لا يخضع لخطة فهو عمل عشوائي؛ المسألة ليست إنجازا وكفى؛ استدامة الإنجاز هو الهدف؛ بالمال نستطيع بناء أي شيء؛ لكن ماذا عن بناء عقول؟! العقول الهشة تفترس الإنجاز وتقضي عليه. وزير زراعة أكاديمي لم يطبق النظريات والمعرفة العلمية؛ لم يستعن إلا بنفسه على نفسه؛ عزز ذلك وفرة المال؛ النتيجة نضوب المياه الجوفية؛ ستدفع الأجيال القادمة الثمن؛ وبعد، كيف يمكن لأي وزير تلافي النتائج؟! الماء لا يُصنع؛ مورد محدود لا يقدر بثمن؛ الزراعة ماء؛ هذه حقيقة غابت عن كل الوزراء. أسس الوزير الاكاديمي سياسة (الطنبشة)؛ استمرت حتى اليوم؛ لا يردون على أي كتابة صحفية تتعلق بالزراعة والمياه؛ تبعتها في نفس السياسة وزارة المياه الجديدة؛ أصبح لدينا (طنبشتان) بدلا من (طنبشة) واحدة؛ من (طنبشة) لأخرى يزداد الفضول للبحث عن إجابات؛ ثلاثة عقود من الكتابة دون رد أو تفاعل من الوزارتين. تتعاظم الأسئلة عن بعض القضايا الزراعية والمياه التي تهم الوطن؛ تجاهل المستقبل خطر للأجيال القادمة؛ حاضرنا نعمة أنستنا الكثير من واجباتنا تجاه المستقبل وأجياله؛ إحدى ضروريات التخطيط التنبؤ بالمشاكل والتحديات؛ أجيالنا ستعاني عطشا وجوعا في غيابه. متى نرى خطة واضحة لوزارة الزراعة؟! خطة تجبر كل مسؤول على الالتزام بأهدافها وبرامجها؛ خطة تستمر في التنفيذ مع تغير المسؤول والوزير؛ هل ستستمر سياسة الاجتهادات ونظريات: أعتقد، وأرى، ويمكن؟! يجب أن يكون هناك خطة واضحة الأهداف، تراعي مورد المياه في البلد، وطبيعته الجغرافية، وإمكاناته المتاحة. متى نشاهد أهداف وزارة الزراعة وفقا لهذه الخطة؟! أهداف يجب إعلانها في أروقة الوزارة؛ في ردهات ومداخل كل المديريات العامة للزراعة، وفروعها المنتشرة في ربوع الوطن؛ في مدارس المملكة وجامعاتها؛ خطة تُدرّس لطلاب كليات الزراعة في المملكة؟! خطة زراعية مبنية على رؤيا استراتيجية، بعيدا عن نظريات أعتقد وأرى ويمكن؟! يجب تجريم سياسة الاجتهادات؛ يجب تقليص المخاطر والتعامل مع البيئة وفق قدراتها، حفاظا على كرامتها وكرامة أهلها. أخيرا؛ تجاهل الزراعة الجافة منقصة وتقاعس؛ تجاهل غير مقبول؛ لدينا مناطق مطيرة تشكل ثلث مساحة المملكة؛ هذا الثلث يجب أن يوفر الماء والغذاء لبقية المناطق؛ أكرر عن قناعة، أن الاستثمار في الزراعة الجافة المحلية هو الحل، وليس الهروب نحو الاستثمار الزراعي الخارجي؛ فشل تحقيق هذا كهدف، يعني للأجيال القادمة جوعا وعطشا، لا سمح الله. أكاديمي- جامعة الملك فيصل
مشاركة :