تتقلص خريطة «داعش» بنحو واضح في العراق. خسر التنظيم معظم محافظة ديالى ومناطق كبيرة ومهمة في محافظة نينوى، كسنجار وزمار. باتت القوات العراقية والكردية على مشارف مدينة الموصل. الحكومة العراقية أكدت أن المعركة باتت قريبة وستبدأ في غضون أسابيع. الأمين العام لوزارة البيشمركة في حكومة إقليم كردستان كشف عن وصول شحنة من الأسلحة والذخائر إلى أربيل لاستخدامها في معركة الموصل الكبرى. حال إرباك واضحة يعيشها التنظيم داخل المدينة التي تعتبر أحد أهم معاقله. مدينة الموصل التي اختارها البغدادي ليظهر علانية من أحد مساجها لم تعد آمنة لقياداته، منبر «الخليفة» يهتز، فالمعلومات التي ترد من هناك تشير إلى أن التنظيم بدأ يعاني حالاً من الانهيار والتفكك من الداخل، حتى قبل بدء المعركة. ويمكن رصد ذلك من خلال الوقائع الآتية: - اختراقات كبيرة على مستوى القيادة: في الآونة الأخيرة قتل عدد من القيادات المهمة جداً في الموصل. ولعل أبرزهم قائد القوة الخاصة الملقب بأبي سليمان، الذي قضى في غارة شنتها طائرة تابعة للتحالف في الثالث والعشرين من شهر كانون الثاني. بعد يوم واحد قتل وزير الصناعة العسكرية في التنظيم قرب المنطقة الصناعية في الجانب الغربي من المدينة، وهو من عشيرة السبعاوي. في التاسع عشر من تشرين الثاني من العام الفائت لقي والي الموصل رضوان الحمدوني الملقب أبو جرناس حتفه وثلاثة من كبار معاونيه، بينهم رافع المشهداني، إثر استهدافهم بغارة جوية أثناء تفقدهم النفق الذي يحفره التنظيم على أطراف الموصل. بعدها عيّن حسن سعيد الجبوري المعروف بأبو طالوت والياً على المدينة. بعد أيام من تسلمه المنصب الجديد، وأثناء ذهابه إلى منطقة بيجي، جرى استهدافه بصاروخ أدى إلى مقتله فوراً، ومعه أحد مساعديه. وفي العاشر من شهر كانون الأول استهدف القائد الميداني لتنظيم الدولة الإسلامية شهاب أحمد اللهيبي المكنى أبو سعد في حي البلديات في الموصل. معلومات غير مؤكدة تقول إن هذا الشخص ربما يشغل منصب وزير الحرب في تنظيم «داعش». تزايد وتيرة استهداف هذه القيادات يؤكد أن منظومة القيادة والسيطرة تعرضت -وما زالت- إلى ضربات مباشرة ومؤثرة، وأن الاحتياطات الأمنية والاعتقالات الواسعة لم تحل دون استمرار هذه العمليات الدقيقة. الأمر الذي انعكس سلباً على علاقة قيادات التنظيم بعضها مع بعض، حيث يسود جو كبير من التوجس واللاثقة. - خلافات داخلية: ثمة خلافات كبيرة بين قيادات تنظيم «داعش» من العرب والقيادات العراقية، فالقيادات العربية تطالب بأن يكون لها دور في المناصب الإدارية والخدماتية وليس في الشؤون العسكرية فقط. كما أن القادة العراقيين باتوا يتذمرون من تصرفات بعض القادة العرب وقسوتهم المفرطة تجاه الجنود والناس. وذكرت المصادر أن أحد القادة العراقيين ويدعى إسماعيل الخاتوني، قتل في أطراف غرب الموصل بعد شجار مع بعض القادة العرب، واتهامهم له بأنه ينتمي إلى حزب البعث، ويسرب الأخبار إلى استخبارات التحالف. هذه الرواية تؤشر إلى منعطف خطير قد يحدث داخل التنظيم، لأن معظم قياداته العراقيين هم من حزب البعث، وإذا ما تكررت هذه الأحداث فمن الممكن أن تحدث انشقاقات مستقبلية، ومواجهات عنيفة بين هذين الجناحين القويين. ولعل هذا ما يفسر خروج عدد من المقاتلين العرب وعائلاتهم من العراق إلى الرقة. - انفضاض الحاضنة الشعبية: تسود حال من النفور والاستياء سببتها القوانين الصارمة التي يفرضها التنظيم على الناس، وحملات الاعتقالات الواسعة وما يرافقها من إذلال وتعذيب. في الفترة الأخيرة ازدادت وتيرة الاعتقالات لكوادر النقشبندية في الموصل. الاضطهاد المستمر دفع عشائر عربية للوقوف إلى جانب قوات البيشمركة في معاركها ومساندتها ضد داعش، فيما بدأت مجموعات سرية تنشط وتعمل على اغتيال وتصفية عناصر «داعش»، وقد تمكنت من قتل بعض القيادات، لعل أبرزها سعود الجحيشي، حين كان يمر بسيارته على الطريق الذي يربط الموصل ببغداد. لكن الأمر الأكثر لفتاً للانتباه إقدام عدد من الأشخاص، وللمرة الأولى، على كتابة شعارات مناوئة لـ «داعش» في الحادي والعشرين من الشهر الماضي على بعض المنازل التي تقطنها عوائل عناصر التنظيم في منطقة العكيدات، ومن هذه الشعارات: «الخوارج الكفار، سنسحق رؤوسكم ونقتلكم انتم وعوائلكم، سنقتل كل من انتمى للدولة اللاإسلامية»، ثم تكررت هذه الكتابات بعد أيام. - التدهور الاقتصادي: لا شك في أن استهداف التحالف للمنشآت التي يسيطر عليها «داعش»، وانخفاض أسعار النفط، والموازنة الكبيرة للتنظيم، أثرا بشكل كبير على الخزينة، فالتنظيم اتخذ في الآونة الأخيرة بعض الإجراءات الاقتصادية التي تعكس مدى تدهــور وضعه المالي. منها إقدام عناصره على جباية الإيجــارات في المنطقة الصناعية في الموصل لسنتين مقبلتين، وفرض ضريبة كبيرة على شـــركات الإنترنت تصل إلى 40 بالمئة، ليسمح لها بالعمل. وفي السادس عشر من شهر كانون الثاني، بدأ عناصر ديوان الاقتصاد والمال إحصاء المحلات والأكشاك وترقيمها في شوارع الموصل، لإجبار البائعين على دفع مبالغ الإيجار التي يفرضها التنظيم. وبعد يوم واحد، أصدر ديوان الاقتصاد والمال أمراً للبنوك بعدم إعطاء الأرصدة لأصحابها إلا بعد مراجعة الديوان، لمعرفة ما يتوجب على كل فرد من أموال زكاة. لكن الإجراء الأكثر غرابة هو طلب التنظيم من قادة جميع المناطق، تخصيص مجموعات مهمتها إخلاء البيوت التي يسيطرون عليها وسلب محتوياتها، من أثاث وغيره، ونقله إلى الموصل وبيعه في الأسواق، وتحويل هذه المبالغ إلى خزينة التنظيم. - إجراءات عسكرية طارئة: يقدر عدد مقاتلي «داعش» في ولاية نينوى بحوالى 18 ألفاً، نحو 3 آلاف منهم في مدينة الموصل. ومع اقتراب المعركة أصدر مجلس قيادة التنظيم في المدينة قرارات عدة: أ- سحب خمسين في المئة من العاملين في جميع الدواوين (الحسبة والمال والاقتصاد والتعليم) وإرسالهم إلى جبهات القتال. مصادر مطلعة ذكرت أن كثيراً منهم فروا من الموصل إلى جهات مجهولة. ب- قتل كل الهاربين من المعارك، ففي السابع عشر من كانون الثاني، نفذ التنظيم حكمه القاسي بعدد من الفارّين من معركة الكوير، حيث علق جثثهم على جسر القيارة. ت- شق طريق يمتد من الموصل إلى قضاء حيان غرب المدينة، ومن ثم إلى قضاء بعاج (وهو طريق ترابي يمتد مسافة مئة كيلومتر). الهدف منه استخدامه كبديل للطريق الرئيسي، الممتد من الموصل إلى سنجار فالحدود العراقية السورية وصولاً إلى الرقة، في حال تمكُّن قوات البيشمركة من السيطرة عليه. ث- إرسال المزيد من العمال لاستكمال حفر الخندق الكبير حول مدينة الموصل. ج- تفخيخ البنايات الكبيرة التي تصلح لعمليات الإنزال، ومنها بنايات المجمع الحكومي. ح- إحاطة منطقة جنوب غربي الموصل بصبّات كونكريتية وسواتر ترابية كبيرة، لاعتقاد التنظيم أن الهجوم سيأتي من هذه الجهة، لكون هذه المنطقة مفتوحة على قضاء بيجي، حيث تتمركز القوات التابعة للحكومة.
مشاركة :