إعداد: فدوى إبراهيميعتبر الشاي المشروب المفضل لدى كثير من الشعوب، وتعتبر الصين المنتج الأول عالمياً تليها الهند، وتعتمد شعبيته تاريخياً على مساحة الأراضي التي يزرع فيها كمشروب عشبي، وتلك التي دخلها الشاي بواسطة التجار والدول الاستعمارية. أما اليوم فإن الحركة التجارية العالمية جعلت المشروب متوفراً في كل دول العالم، لكن حجم انتشاره يختلف من دولة لأخرى.يعتقد أن الشاي نشأ للمرة الأولى في مقاطعة يونان في الصين في عهد أسرة شانج 1500 ق.م - 1046 ق.م.) كمشروب طبي، ويشار إلى أن أقدم شجرة مزروعة هي هناك، وبذلك تعتبر يونان مهد الشاي، ثم انتقلت فكرة غلي أوراقه إلى سيتشوان، وبالتالي استخدم كمشروب يومي وليس طبياً.النوع الأخضر كان مستخدماً في الصين حتى القرن السابع عشر لأغراض طبية والاستخدام اليومي، والمزارعون اكتشفوا أن الأسود هو الأكثر قابلية للتخزين ليكون ملائماً للتصدير.يعتبر الشاي الإنجليزي اليوم اسماً لصنف موجود في الأسواق، وهو الشراب الوطني البريطاني والإيرلندي الذي يحتسى بشكل يومي لعدة مرات، ولعل علاقة المملكة المتحدة بالهند لها علاقة بتاريخ هذا المشروب لدى الشعبين، فالمصادر تشير إلى أن الشاي دخل بريطانيا لأول مرة في أوائل القرن السابع عشر من قبل شركة الهند الشرقية، وبالطبع لم يكن حينها ذلك المشروب متاحاً للجميع كغيره من المنتجات التي تقتصر بداية على طبقة الأثرياء ومن ثم تعمم على أفراد المجتمع، وبالتأكيد فإن لذلك علاقة بثمن المنتج.في عام 1717 افتتح توماس تونينج أول متجر له في بريطانيا، وبعد ذلك بدأت تنتشر متاجر كثيرة، حتى تطور حب الشعب لذلك المشروب، أما الأنواع التي يحتسيها الشعب، فكانت آنذاك تعتمد على ما يتم استيراده من الهند وأبرزها شاي دارجيلنج ذو المذاق الهادئ الخفيف والذي يحتسى بعد الظهيرة، وسيلان ذو مذاق حاد بعض الشيء، وآسام ذو النكهة الأقوى، ومن الصين تستقطب بريطانيا نوعين أساسيين وهما لابسانج سوشونج ويونان، ومن ثم تطورت أنواعه حتى بات في بريطانيا ما لا يقل عن 1500 نوع مختلف، ويفضل البريطانيون نقع الأوراق، وليس الأكياس، في إبريق ماء مغلي لبضع دقائق، ثم يصب في مصفاة على الكوب المفضل للتقديم.رغم أن الهند تعتبر ثاني أكبر منتج ومصدّر للشاي في العالم بعد الصين، فإن الهنود يعتبرون الأكثر استهلاكاً له، وبالطبع فإن له تقاليده لديهم، فحبهم له دعاهم لتسميته «المشروب الوطني»، وتم توثيق استهلاكه لأول مرة قبل الميلاد دون أن يكون هناك توثيق لتاريخه بدقة، إلا أن السجلات تشير إلى ظهور استهلاكه في القرن الأول الميلادي، وحتى آلاف السنين ظل المشروب يستهلك محلياً حتى حولته شركة الهند الشرقية إلى منتج تجاري وخصصت له أراضي لزراعته، ومن أشهر أنواعه «آسام ودارجيلنج»، إلا أن هناك العشرات من الأنواع الشعبية الشائعة، لكنها تعتمد على الانتماءات الإقليمية والثقافية، من بينها رونجا، وجاكر ساه، وماسالا تشاي، وتختلف طرق الإعداد المذكورة وحتى الإضافات عليه، بعضه يخمر والآخر يضاف له الحليب المكثف مع الأعشاب العطرية والبهارات.ويؤكد العديد من المصادر أن علاقة القارة الإفريقية بالشاي كانت عبر العلاقات التجارية مع الصين وهو ما جعل الصنف الأخضر هو السائد هناك، إلا أن إغلاق الصين حدودها بوجه الأفارقة في منتصف القرن الخامس عشر، عاد الشاي بمجيء التجار البرتغاليين والهولنديين إلى إفريقيا، كما قامت الدول الاستعمارية في القارة السوداء بإنشاء مزارع خاصة لما تتمتع به من مناخ ملائم للزراعة، وكانت كينيا أفضلها.في بعض الدول خاصة موريشيوس وكينيا يقدم الشاي الأسود بالحليب وفقاً للمستعمرين البريطانيين، وفي الصومال يمزج بالقرفة والزنجبيل وجوزة الطيب والهال والقرنفل، وفي دول الشمال المغاربية ومصر فإن إضافة النعناع والسكر هي طقس مفضل، وهو ما ينطبق على موريتانيا والسنغال وغامبيا، وهو في العموم وسيلتهم للترحاب. وفي القرن التاسع عشر دخل الشاي الصيني الأخضر إلى دول شمال إفريقيا والذي يعد في إبريقين، أحدهما تغلى فيه الأوراق مع قليل من الماء، وهي عملية للغسل، ومن ثم يصب على أوراق الشاي مجدداً ماء مغلي من إبريق آخر، ثم يضاف له كمية كبيرة من النعناع والسكر، ويوضع في كؤوس زجاجية صغيرة مزخرفة، ويصب من الأعلى حتى الأدنى لتشكل الرغوة فيه ويقدم غير ممتلئ، إلا أن هذه الطريقة قد تختلف في خطواتها لكنها تتفق في أساسياتها.شاي الكرك تاريخياً هو ذاته ماسالا تشاي، إلا أن حدة التوابل فيه قد لا تجعله يشبهه في أوساط مجتمعات دول الخليج، والتي يشار إلى أن العمالة الآسيوية الوافدة جلبته معها إلى هذه الدول، وهو أمر منطقي كون القهوة العربية هي المشروب الأساسي لدول الخليج. وبالرغم من أن الكرك الشائع حاليا في الدولة لا يضاف له سوى الحليب المكثف والسكر والهال وبالتأكيد الشاي الأسود، إلا أنه في الأصل يجب أن يمتزج بالعديد من التوابل الأخرى ومن بينها اللاذعة.
مشاركة :